افتتح الرئيس رجب طيب( اردغان)- امس- المجمع الجديد لجامعة ابن خلدون، التي انا عضو هيئة تدريس فيها. ويعكس المجمع الذي دخل الخدمة في مرحلته الأولى ذلك المزيج التركي المتشكل من العمارة العثمانية والسلجوقية وعصر الجمهورية.
فليكن مبارك لهذه الأمة ،حيث إن جامعتنا(جامعة ابن خلدون) التي تضم أعلى نسبة من الطلاب الدوليين - بنسبة 30% - هي جامعة من الجيل الجديد القائم على استقلالية الفكر ،ولها رؤية تتماشى مع صيغة" الابتكار والتجديد المستوحى من التقاليد" كما بين ذلك الرئيس (أردغان) في خطابه الافتتاحي. جامعةٌ تمثل بيتا علميا يُعنى بالجذور التركية، وتصورها الحضاري ،ويحاول إنتاج إجابات للتحديات الكونية. هدفها إنشاء جيل يتناسب مع تراكم حضارتنا. وقد كانت بعض التأكيدات التي وردت في خطاب الافتتاح الذي ألقاه السيد (أردغان) تشير- بشكل خاص- إلى خلفية حياته السياسية ،و تعكس مواجهاته، ونجاحاته، وما لم يستطع القيام به أيضا. كان يؤكد - في إشارة منه إلى استمرار انتقادات سعيد حليم باشا للتجديد العثماني والتركي :أننا " حاولنا منذ قرنين إيجاد طريق. واتجاه لأنفسنا...و" اننا نعيش في صراع أزمة فكرية".وأضاف ( أردوغان ): إن نتيجة "نسيان جذورنا أو تغريبها و إقصائها" لن تكون أكثر من إنتاج عاصفة اغتراب بلا ضابط ولا رادع ،وأنها أكبر خسارة لجمهوريتنا؛ ذلك أن محاولة إنشاء أجيال متحررة من العقل والفكر والوجدان قد تحولت إلى تقليد غربي أعمى، وهذا هو السبب الرئيسي لفقدان "الاستقلال الفكري".
(أردوغان) سياسي مُلئت حياته السياسية بالصراع مع خصومه في الداخل والخارج. ولقد حقق إنجازات قلما حققه سياسي غيره؛ فبعد حياته التي قضاها متقلبا بين أحزاب متعددة ، خرج فائزا في كافة الانتخابات التي خاضها .وبصرف النظر عن ثورات البنى التحتية في العديد من المجالات التي حققها، بدءا من النقل مرورا بصناعة الدفاعات؛ فقد استطاع أن يتغلب على كثير من الأزمات التي من شأنها أن تطيح بالسياسيين الآخرين- كما في أزمات أعوام (٢٠٠٨_٢٠١٣_٢٠١٦)؛ فقد. حمل عبء إعادة هيكلة تركيا ،عبر نظام حكم جمهوري قائم على ثنائية "المحلية الوطنية".
(أردوغان) الذي نجح في هزيمة زعماء أحزاب أخرى أو مرشحين للرئاسة في الانتخابات المتكررة يشعرنفسه بالحزن العظيم إزاء قضية واحدة - يعبر عن ذلك بقوله "نحن نعرف جيدا الفرق بين القدرة على أن تكون حكومة والقدرة على أن تكون قوة ونعلم جيدا أن القوة الحقيقية هي القوة الفكرية."إن طريق القوة الفكرية تبدأ من الأفراد ثم تمتد إلى المجتمع بأسره ،وهذه عملية صعبة وشاقة جدا ، إنني أشعر بحزن شديد حيال هذا الأمر، واعتقد اننا أنجزنا الكثير في مجال الأثار التاريخية والخدمات خلال ثمانية عشر عاما، لكننا لم نتمكن من تحقيق التقدم الذي نرغب فيه في مجالات التعليم والثقافة.
إن مفاهيم القوة الفكرية، وتنشئة الأجيال بما يتماشى مع قيمنا الحضارية والإصلاح الشامل للتعليم هي جزء من النموذج الأمثل الذي يريده (أردوغان) لبناء حضارة أفضل.
بيد أنه- في نفس الوقت- بقي يصرح بهذا النقد الذاتي منذ فترة حتى تلك التي تتعلق بحكومات حزب العدالة والتنمية؛ نعم لقد ظل (أردغان) يصرح بهذا النقد الذاتي- منذ فترة- ولكنه في هذه المرة تناول بشكل محدد قرنين من الزمن: فمن نحو تناول ما يتعلق بتاريخنا في التجديد، ومن نحو آخر تناول ما يتعلق بتجربة حزب العدالة والتنمية تحديدا.لقد انتقد (ارغان) نفسه حزب العدالة والتنمية بما لم تستطع المعارضة نقده .أما اقتراحه من أجل تحقيق رؤية عام ٢٠٥٣ فهو عنده ليس سوى "تراكم حضارات أمتنا وإمكانيات العالم الحديث معا" ولا يمكن تحقيق هذا التمازج الدقيق عبر جهود السياسيين وحدهم، بل "إننا بحاجة إلى تحركات شاملة" من شأنها أن تعيد تعبئة راس المال البشري في بلدنا ، ثم إن هناك ضرورة للارتقاء بالقاسم المشترك الذي يمثل اندماج المعتقدات والاتجاهات الأيدولوجية المختلفة لصالح تركيا. لقد نجحت تركيا في السنوات الأخيرة في تَبوُّء منزلة ممتازة مرموقة في النظام الدولي ،وحتى نجعل ذلك النجاح نجاحا خالدا ،علينا أن نجعل محوره الرئيسي حب الوطن.