أنماطٌ وظواهرُ سلوكيّة تغزو المجتمعَ السوريّ


أنماطٌ وظواهرُ سلوكيّة، تغزو المجتمع السوريّ مع تتالي سنيّ الحرب، باتت تنتشر فيه بشكل مطرد، وهي لا تحمل له في طياتها علامات الخير، ولا تقلّ خطورة عليه عمّا خلَّفته آلة الحرب، وتجعله رهينة مخاطر لا تقلّ جسامةً عن تداعياتها التي طالته على مدى تسع سنوات ونيِّف، ذلك أنّها في الوقت الذي أتتْ فيه آلة الحرب على البنى التحتية والمظاهر المادية، ستأتي هي على دعائمه وأُسسه المعنوية، وهي ما بين: صحيّ، ومجتمعيّ، وسلوكيّ، وفكريّ، وممَّا يذكر منها:

انتشار ظاهرة التدخين في أوساط الشباب، وهو ما ظهر جليًا على صحة أبدانهم، التي هي في الأصل متردية بسبب النمط الغذائي السيّء في سنوات الحرب، وقد تطوّرت لتصل إلى رصد ملامح من ظاهرة انتشار السموم البيضاء، التي يعتقد أنّ وراءه جهات لا تريد الخير للسوريين، وهي تريد منها تدمير منظومتهم الأخلاقية والصحية، فضلاً عن سرقة بقية الفتات الذي في جيوبهم.

الزواج المبكر عند الجنسين، ولاسيما لدى الفتيات، فعلى أقل تقدير أن تكون الفتاة في سنّ الرشد والأهلية للزواج، المنصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية في سورية وعموم دول الجوار، الذي عادة ما يكون بين (18- 21 سنة)، وأن يكون الشاب حسبما جرت عليه العادة، في سنّ ما بعد المرحلة الجامعية، والخدمة العسكرية، وقد اعتاد المجتمع السوريّ على أن يكون ذلك بعد سنّ (25سنة)، وليكن في هذه الأيام في سنّ يستطيع فيها أن يتمكّن من تأمين دخل ماديّ يعينه على تبعات ومقتضيات تكوين الأسرة، وقد نتج عن ذلك مشاكل صحية ونفسية لدى الفتاة على وجه الخصوص، أعقبها حالات طلاق بنسب كبيرة.

العزوف عن الدراسة، وعلى وجه الخصوص الفئة العمرية، التي من المفترض أن تكون في المرحلة الجامعية هذه الأيام، وقد تمّ رصد فئات عمرية لم يتخط أصحابها المرحلة المتوسطة والإعدادية، لدرجة أنّ أصحاب المؤهلات الجامعية صاروا بنسب جدّ قليلة بين السوريين في الآونة الأخيرة، حتى في سنوات ما قبل الحرب، وقد تضاعفت بشكل مخيف في سنوات ما بعد الحرب، ولاسيّما في أوساط أبناء المدن، الذين يميلون عادة إلى المهن والتجارة، وقد تخطاهم الأمر إلى نظرائهم من أبناء الأرياف، وإذا ما تمّ التماس العذر لهذه الفئات العمرية في بلدان النزوح واللجوء، فإنّه غير مقبول من هذه الفئات في الداخل السوريّ، الذين يمضون جلّ أوقاتهم فيما لا طائل منه.

نمط سلوكيّ يتعلّق بالتديّن والالتزام الدينيّ، سلبًا أو إيجابًا، بدا في جانب منه مغايرًا لما كان يتجه نحوه السوريون قبل الحرب، أو في سنواتها الأولى، حينما شهد صحوة دينية منضبطة، كانت مثار أعجاب وتقدير من مراكز البحوث والمتابعين، لتتجه بعد ذلك إلى نمط من السلوكيات الدينية والفكريّة الدخيلة على عموم المجتمع السوريّ، نتج عنها أنماط من التوصيف والتصنيف أضرت بهم وبقضيتهم، هذا في مقابل ظاهرة الإعراض عن الدين، التي أخذت ترصد بشكل واضح منذ أكثر من خمس سنوات على وجه التقريب، صاحبت نجاح الثورة المضادة في حسم كثير من الملفات لصالحها، تمثَّلت في الابتعاد عن مظاهر التديّن والتساهل في أداء الشعائر الدينية، كترك الصلاة وهجر قراءة القرآن من كلا الجنسين، وعلى الأخص في المساجد ودور العبادة، ما عدا فئات عمرية منتظمة في حلقات تعليم وتحفيظ القرآن.

انتشار ظاهرة السرقة لدى شريحة المراهقين، بشكل أصبحت تتجه فيه لتكون منظمة، وهو الأمر الذي أخذت تغذيه الحاجة والفاقة الشديدة، بعد توقّف عجلة الانتاج والكسب المشروع عن العمل، ليعتمد جلّ السوريين بعدها على شحيح المساعدات التي تأتي بها بين الحين والآخر المنظماتُ والجمعيات الخيرية والإنسانية، ثمّ لتلجأ بعدها شريحة من الشباب والعاطلين منهم إلى سلوك طرق معوجّة وغير مشروعة.

انتشار ظاهرة اللجوء إلى السلاح لأتفه الأسباب وأوهنها، حتى صار الاحتكام إلى إطلاق النار في الخلافات الشخصية والعائلية، وفي أمور تعيدنا إلى أيام داحس والغبراء.

 

 

د. محمد عادل شوك

كاتب سوري

Whatsapp