خمسون عاماً نزداد قتامة


خمسون عاماً والظلام دامس، وشلال الدماء لم يتوقف، والأكاذيب تُلفق، والشعب يدمر ويهجر ويباد، خسمون تشطر عمر الدولة السورية، وتشطر أعمار شبابها ورجالها ونسائها، فقائد الدولة والمجتمع، "حزب الموت" الذي سميَّ زوراً بحزب البعث، أصبح هو المتحكم الأوحد في عهد الأسدين الأب والولد، وقاتل أحلام السوريين، ومدمر بيوتهم ومنتهك أعراضهم.

الأسد الأب كرّس السلطة بكاملها لمصلحته، كي تكون تحت رقابة وقرار الحزب والرئيس الفرد، ليتحول حزب البعث، بموجب المادة الثامنة من الدستور إلى حزب سلطوي شمولي مسيطر على الدولة.

انقلاب على الذات ذاك الذي قام به مجموعة من الضباط في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، حين شهدت سورية انقلابًا عسكرياً تصدره وزير الدفاع آنذاك، حافظ الأسد، بالشراكة مع الضباط الموالين له، كان ذلك اليوم الفاصل لوصول حافظ الأسد للرئاسة فيما بعد، سمي بحركة، لكنه انقلاب، انقلاب على الرفاق البعثيين، مع تعزيز باقي الجسد، ليتحكم ويسيطر على سورية.

فابتلي السورييون بحزب تحكم بهم وبأرزاقهم وبحياتهم، وبمجرمين لم يشهد التاريخ الحديث وربما القديم كإجرامهم، نصف عمر سورية الدولة الحديثة، ملؤه هُم، ولم يتركوا للسوريين أن يقرروا مصيرهم، فالانتخابات في عهدهم أكذوبة ومسرحية، والدستور الذي من المفترض أن يكون شرعة للبلاد ومنهجاً، داسوا عليه ومضوا، والأحداث في عهدهم مؤلمة، بل شلالات من الدماء.

الكثير من الأحداث الدموية طالت الشعب السوري بسبب حكم الأسد طيلة العقود الماضية، من أحداث حماة وما سبقها وما تلاها، إلى أحداث الثورة التي نعايش أيامها يوماً بيوم.

وما سبقها عناوين لمنهجية مدمرة، تبدأ من طلائع البعث، وصولاً إلى القيادة القطرية، مروراً برئاسة الوزراء ومجلس "الشعب"، فمن الطلائع إلى الشبيبة، ومن العضوية إلى القيادة، ومن النائب إلى نائب الرئيس، تمجيد وتسبيح وتهليل، الدولة بعيدة عن هذا الاسم في عهدهم، والمواطنة ليس لها وجود في قاموسهم، والدين يفصّله رجال السلطان على مقاسه، فتصبح المعاهد باسمهم والقرآن الكريم لا يؤخذ إلا ممن ارتضوا له أن يعطيه ويعلمه.

دكتاتورية غير متناهية.. الحرية الصحفية معتقلة، قضبان السجون تضج من صوت آلام المساجين، والحكم للعائلة، والاستخدام للطائفة، والقربى للتجار، وليس مسموحاً للتحرك في البلاد، إلا من قِبل الفجار، الرشاوى في عهدهم كالنار في الهشيم، والتعليم للتدمير، والتربية اسم مضمونه عكسي، فلا تربية ولا تعليم.

ومع مرور الخمسين، تبدل العديد من الرؤساء الديمقراطيين في البلاد الغربية، وتبلد الأسدين في الكرسي فلم يتزحزحا عنه، متشبثين به لآخر رمق، ومستعينين بجميع الدول لأجل البقاء فقط، فالأساس كان من الجولان وتسليمها، وصولاً لتسليم سورية بأكملها لروسيا وإيران ولمن أراد.

بين الديمقراطية والديكتاتورية مفارقات كبرى، أربع سنوات ديمقراطية في سورية بعد الاستقلال لاغير وذلك في خمسينيات القرن الماضي، وسنوات سبقتها كان فيها نوع من النشاط السياسي، بعد الاحتلال الفرنسي، أربع سنوات أي قبل الوحدة مع مصر، وقبل دخول سوريا في ظلام البعث، بعد عام 1963م، ليكون بعد ذلك القصر الجمهوري بيتاً دائماً لآل الأسد حكراً لهم، أما البيت الأبيض مثلاً، فيتعاقب نزلاؤه ليبلغوا أكثر من عشرة رؤساء منذ ذلك الحين، ولتتصدر الولايات المتحدة العالم، وتجلس سورية على عتباته، بسبب الديكتاتورية الحاكمة.

خمسون منذ الانقلاب، لا تصحيح فيها ولا تغيير، حكم بالحديد والنار، ظلام مطبق، وشلالات من الدماء، ليبقى الأمل بأن تنقلب تلك الآلام، آمالاً للنهوض من جديد، في خمسين قادمة، إن كتب الله الرحيل لهذه الطغمة الحاكمة.

 

 

فاتح حبابه

كاتب وإعلامي سوري

 

Whatsapp