لغَسيلها.. وما تبقّى مِنَ الحِكاية  


 

وحينَ نظرْتُ أوَّلَ مرَّةٍ لغَسيلِها الأبيضْ

هناكَ على سياجِ الرِّيحِ والورد..

يَدي ارتَجَفَتْ، وودَّعْتُ (الشَّقيَّ) أمينَ أسْراري

فلا طينٌ نحوِّلُه كما شِئْنا..

عماراتٍ، وأشجاراً، وشاحنةً مُحَمَّلةً بعيدانٍ وأحجارِ

فذاكَ الطِّفلُ حَطَّ كأيِّ عُصْفُورٍ...

وأغلقَ ما تَبَقّى مِنْ مَداهُ

فما لَدَى الشُّبّاكِ إلاَّ صورةً مُغْبَرَّة العَهْد

لهُ أو ليْ

وثمَّةَ مَنْ يقولُ لنا

ولكنِّي هناكَ معلَّقٌ مَعَ رفرفاتِ غَسيلِها..

والطِّفْلُ أَبْعَدُ ما يكونْ

هناكَ..

هناكَ غابَ، فليسَ إلاَّ عاشقٌ وفراشةٌ تلهو قريباً من سياجِ الياسمينْ

هناكَ..

هناكَ حيثُ الطُّفْلُ عمَّا حَوْلَهُ أَعْرَضْ

وغادَرَني لأبقى عندَ أوَّلِ نظرةٍ لغسيلِها الأبيضْ

***

خطوتُ، وكانَ ظَنِّيَ أنَّ أوقاتي تَصُبُّ نهايةَ الأمرِ

ببحرٍ أبيضٍ لرحيقِها فيهِ مساحاتُ اشتياقٍ وانتظارْ

وسارَ الدَّربُ بي...

وغسيلُها مازالَ في أقصى الزَّمانِ فراشةً تَلْهو بأسرارِ النَّهارْ

فثمّ ضَفيرةٌ في فسحةِ الرُّؤيا

وثَمَّ يدٌ تردُّ الشَّالَ، تَرْسُمُ نجمةً فوَّارةَ السِّحرِ

وسارَ الدَّربُ بي...

غَرِقَتْ مزاميرُ الرُّعاةِ بغابتي، وتقطَّعَتْ أنشوطةُ العطرِ

خفافيشٌ هُنا وهناكَ 

أشلاءٌ مبعثرةٌ، وأصواتٌ تَذوبُ بلا أثرْ

هُنَاكَ/ هُنا...

وَتَحْتَضِرُ الحكايةُ، لا قَمَرْ

يُواسي ما تبقَّى مِنْ حُروفي، لا شَجَرْ

وَتَحْتَضِرُ الحكايةُ، تَنْحَني شَيْئاً، فَشَيْئاً..

تَنْحَني...

(عَفْواً..

لقدْ قدَّمتُ أوراقَ اعتمادي للهزيمةِ مُكْرَهاً

لَمْ أسْتَطِعْ تدوينَ آخرِ لحظةٍ

فالقهرُ أخرجَني مِنَ الوَقْتِ

رَمَاني حَيْثُ تُنْكِرُني الحياةُ، وحَيْثُ تُصْبِحُ كلَّ شيءٍ لحظةُ الموتِ)

***

وسار الدربُ بي

جرحٌ آخرٌ..

دمُها/ دمي..

جرحٌ جديدٌ، ثمَّ جرحٌ..

شهقةٌ تمتدُّ بينَ ركامِ نجواها وآخرِ نظرةٍ نحوَ المَدى الأغبرْ

***

وسارَ الدَّربُ بي

تاهتْ بِسِرِّ الغَيْمِ بوصلتي، فلا أدري

متى انهارتْ حكايتُنا

وصارَ غسيلُها أحمرْ

 

عبد القادر حمّود

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp