الخيار الوحيد المضي قدماً، لمن نشتكي من هذه الحياة؟
قواسم آلامنا مشتركة في عالم مثالي، الجميع فيه لا يبصرون، الظلام حالك في زمن القانون، فقد دسوا لنا السم بالحرية، واعترضتنا مئات النكبات، ذبحوا السلام على مرأى العالم، فامتطى شبابنا عرش الشهادة، ووريدهم مازال ينزف ملء عيوننا، سقطت الورود، شاخ عمرنا قبل الأوان، أخترق الحزن ملامحنا ورعشة بكائنا عانقت السماء، غرقنا في ضباب النجوم، لكن الحبل بقي ملتفاً حول أعناقنا، أبحرنا وحيدون في الفلك، مملكة الأسى تتسع تنغرس بالأحشاء، والعتمة تندس خلسة من شقوق الأبواب، تائهون نحن في غابات من الآهات، عرس الورد تأجل وانخرطت في حداد على جداول الدماء، لغة الزمان تبدلت، أرواحنا شرخت وتلبست عقولنا هواجس من الجنون ضمن حكايات وأسرار، سرق عمرنا من ضفاف المسرات وارتمينا في أنهار من المآسي، جراحنا تنزف بصمت ما عهدناه وقلوبنا وضعت على مائدة الغياب، عشنا منطق القهر في محنة الوطن، وضمن متاهات من الفتن، وأصبح التاريخ عبئاً على ضحاياه، تباً لعالم مجنون تحكمه الخيانة والظلام، أخرجوا من أرضنا واكنسوا معكم كل الفتن.
يا وطن المحبة شلًّت يد قاتلك المنهزم، دموعنا تتزاحم على أبواب المقل لأن الضمير ترجل عن صهوة الشرف وحجب الليل القمر، هل ندفن السلام تحت الركام؟ أم ننشر المودة والوئام علً السعادة تحل محل الآلام، لنرسم على الرمال والحيطان لوحة الخلود وأكاليل من الغار، لنمضي قدماً فرجوعنا محال، لنوزع غربتنا على كل المرافئ ولنشعل الشموع بكل المفترقات، ونغير مجرى الأنهار لتصب جميعها في بحر البنفسج يرافقها حمام السلام، وبسمات من دفء أرواحنا تحلق فوق السحاب تمطر حباً على وطن يحتضر لتعيد إليه عطر الأنفاس وبوصلة الأمان، وطن خلد بدماء من شرايين الأبرياء، لنصنع سعادتنا بأيدينا ولا ننتظرها من الغرباء، نتشاطر الأفراح ونجدد الأهداف، لتعود سفننا التائهة إلى مراسيها ولتهدأ الأمواج من الزنابق، سنعقد أطواق النجاة لتتعاقب الفصول والأعياد وتمطر السماء محملة برذاذ من الأشواق، على الهضاب مشكلة ينابيعاً من الحنان، ممتدة كحبل وفاء، تصب نهايتها في بحيرة الوجدان لنتوضأ منها ونشرب نخب الحرية والسلام، وعلى ضفتيها تجف الدموع ويتعانق الأحباب، اعزفوا على ضفافها على أوتار النسيان سمفونية عشق الحياة، كمدن الأحلام مكللة بقوس قزح ونسائم وأزهار لنرسم الفرح على وجوه أطفالنا الذين حلموا بضمة وقطعة حلوى ودفء وحنان، لنغير خارطة الأزمان ونغمرهم بزنابق ود وموسيقى حب ليستحيل عمرهم إلى مزهرية وربيع دائم يتألقون فيه طيباً وشذى، يغوصون بأحلى الذكريات مشبعة بالأمان والدفء والحنان، يشرقون مثل الأضواء وينهلون شلالات محبة تتغلغل في مساماتهم تنسيهم كدر الأيام، لا يشتمون رائحة البارود بل عطر الأنفاس والحب سيكون بوصلتهم في كل الأيام ضمن جنة الأحلام، فصغارنا هم أرواحنا سيكبرون ويجددون الحياة، على هودج من الغيوم الدافئة محمل بالبيلسان، بيديهم مفتاح الأمل الذي فقدناه.
إلهام حقي
رئيسة قسم المرأة