بقفزاتٌ عاليةُ الطَّيرانِ


 

  بقفزاتٌ عاليةُ الطَّيرانِ 

هذهِ الرُّوحُ المعمَّدةُ بالصَّبرِ

ريشةٌ ترتجفُ

في مهبِّ ريحِ قدرٍ 

ينالُ منِّي على طولِ الصَّمتِ 

ويحصدُني بمنجلِ الأيَّامِ

ولا تُضاهي فكرتُه عن الكسلِ 

مقدارَ ما اكتسحَ الشَّيبُ 

على جادَّة المفرقِ ...!!

دمعتي رابضةٌ بين هُنا.. وهُناك

كمَنْ يوزِّعُ الألمَ بسِعَةِ التَّحديقِ 

على عينٍ أدمنَتْ الشَّوقَ العالقَ 

لا يوم.. كما يَعِدُ العدمُ 

ومدُّ رمقي 

فوقَ وسائدِ السِّنين 

أتلفَ ما ظننته 

وديعَ ابتساماتِي

كم حسابِي ...!؟ 

وكيفَ تخلطُ المساميرُ 

بثقوبِ خشبَتي ...!!؟

فلنتناصفْ كلَّ الألوانِ والأصواتِ

إلَّا لوني          

فلا تستدرْ لي 

كما بأساطيرِ الوجوهِ 

التي فارقَت ملامِحي 

ذاتَ ليلةٍ 

بل بنصفٍ آخرَ 

كصَوتي البعيدِ 

الذي يقترضُ حنجرةَ الصَّخرِ 

فلا أسمعه 

حين أردُّ على ابتساماتِ النَّاسِ

وعن بهجةِ الأشياءِ المجنونةِ

وكلِّ ما لا ينتمي إليَّ

...

دميةٌ كحقيقةٍ خالصةٍ

أسمَعُنِي 

حين أنصتُ لاِسم دمعةٍ نوَّاحةٍ

تدافعُ عنِّي 

ولا أعرفها

بائسةٍ كشبحٍ يفوزُ بداخلي

حتَّى متُّ مرَّةً ثانيةً 

حين تنبَّأتُ بلا دليلٍ 

على غلبَتي لسُهدِ الليالي

وصدَّقتُ أمنيَتي 

برسم نفسِي 

بعيداً عن متاهاتِ الأيَّامِ!

..

دُميةٌ في شَرنقَةٍ

وسأخرجُ من طَورِ اليرقةِ

وأخلعُ جلدِي 

حتَّى تنطمرَ على أروقَتي 

خيوطُ الضَّياعِ!! 

أبحثُ في بُؤرةِ عينَيّ

عن الخلاصِ

لأكونَ فراشةً

أو خيطَ دخانٍ

فأتسلَّل من سَمِّ خياطِي المتكوِّرةِ

بلا أمل ..!!

كيف المرور

وأنا الجَملُ الذي أضناهُ العطشُ 

فأضاعَ السَّبيلَ

وغيَّبَ اصفرارُ الصَّحارى

لونَه.. والدَّليل!!

..

رحلةٌ تضجُّ بالأنينِ الصَّامتِ

كما قبلَ حشرجةِ الأصواتِ

التي تغنِّي للموتِ

ظنَّاً أنَّه رقصةُ الحياةِ ...!! 

ها أنني!!

أبحثُ عن العمرِ دونَ جدوى

ولا أجدني إلَّا غارقةً في حزنٍ

يشدُّ بقوَّةٍ على قبضةِ القرارِ

فأصمتُ عن البوحِ

بما خبَّأته سريرةُ شوقِي 

وشفتاي مخيطتان

بخيط مكين 

بلا زرٍّ ...!! 

..

دميةٌ كانت محلِّقةً 

تخرجُ عن طورِها

في غفلةٍ عن خيوطِها

لتمارسَ الفرحَ

ها هي الآنَ ملقاةٌ

على زاويةِ الوقتِ 

تقلِّبُ ما مضى من أيَّامها 

وتشاطرُ الصَّامتينَ

على كوكبةِ الصَّبرِ

ما تبقَّى من أدوارِهم

بعد أن أسقطَتْ فرائضُ الألمِ 

أعضاءَها الكهلة

..

منذُ ولادتي

وأنا على أهبةِ الرِّحيلِ 

أحزمُ أمتعتِي 

وأمارسُ جهادَ الاِنتظارِ

بينما يتشبَّعُ الشُّجعانُ

بنزفِ مساماتِي

التي أناخَت كلَكلَها

منذ ما قبلَ تكويني

..

مفتوحةٌ جِراحُ أقدامِ الرُّوحِ الحافيةِ

والطَّريقُ معبَّدةٌ بالملحِ

لكنَّنا سنتجاوزُها

بقفزاتٌ عاليةُ الطَّيرانِ

 

افتخار هديب

شاعرة وكاتبة سورية

Whatsapp