برزت مؤخرًا في الساحة السياسية السورية عدة أحزاب وتيارات لا تمت للوطنية السورية من قريب أو بعيد، وهي مجموعات كبيرة لا يستهان بحجمها ولا تأثيرها، المتزايد، والمتنامي.
هذه الأحزاب والتيارات، لا تشبه ما نعرفه عن الأحزاب، قديمها وحديثها، لجهة تعريفها في علم الاجتماع السياسي، فهي غامضة في بنيتها وهيكليتها وتوجهها، أشبه ما تكون بما يروى عن الحركة الماسونية، ولكنها واضحة ومكشوفة في أهدافها وغاياتها، وحاضرة في كل مكان، وفي كل لحظة يكون السوريون معنيين فيها باتخاذ موقف أو بلورة رأي، أو تحديد هدف، أو إيجاد صيغ عمل مشترك، دأبهم إفشال أي تحرك جدي ومخلص.
ولكيلا يكون كلامنا غامضًا على طريقة الأحاجي، يرهق القارئ في فهم المقصود، وغاية هذه السطور، فإنه مما يؤسف له بروز وتبني جماعات وأفراد لمقولات وخطاب ارتهان، أو إذعان، تحت زعم "فقه الأولويات" و" سد الذرائع" وتغليب المصلحة العامة، أو فئة غير قليلة منهم، هنا تحديدًا نتحدث عما نسميه (الحزب الاسرائيلي في الثورة السورية)، وأحزاب أخرى على شاكلته.!
هذا الحزب، أو الأحزاب، بلا رأس أو جسم واضح، وهنا خطورتها، تراها تحت دعاوي الواقعية السياسية ترفض أي حديث عن اسرائيل باعتبارها عدوًا دائمًا وترفض أي إشارة لها ولدورها الحالي في مسألتنا السورية، ويصل هؤلاء إلى مدىً وحدود غير مفهومة أو معقوله عندما يصرون أن لا يكون في مواقفهم المعلنة، أو وثائقهم، وما يصدر عنهم، أي إشارة لاحتلال أرض سورية، تمثل جزءً عزيزًا وغاليًا من الوطن السوري في حدوده المعترف بها دوليًا، أو الدول التي تحتل سورية، وتتدخل بها بنتيجة مجريات ما حصل بعد ثورة الكرامة والحرية في 2011، وتصل الوقاحة والعدمية الوطنية بهؤلاء إلى التبني المطلق لسياسات تلك الدول وعدم نقدها ولو في الحدود الدنيا، أو لمستويات خجولة.
(الحزب الاسرائيلي في الثورة السورية)، وأقرانه وأشباهه خلع برقع الحياء والوطنية معًا، فهو لم يعد خجولًا، أو مستترًا، بل واضحاً ومكشوفاً يرفع صوته وعقيرته مندداً بمن يخالفونه الرأي والموقف، وبصفاقة يكيل للآخرين الاتهامات من كل حدب وصوب، ويعتبرهم ظواهر صوتية لم تجلب إلا الخراب والدمار والتخلف، ولن تنقذ السوريين من المهلكة التي هم فيها، بخطاب عدواني تجاه هذه الدولة أو تلك.
هذا الحزب، أو الأحزاب، تقوم بزيارات وتقيم الصلات مع أجهزة الاستخبارات ومراكز الأبحاث والدراسات، ووسائل الإعلام، التي تهدف في النتيجة إلى توجيه الرأي العام، وصناعة رأي مشترك، وخلق ثقافة عامة نقيض كل المسلمات الوطنية وألف باء أبجديتها المشتركة والراسخة عبر مئات السنين، وفي مرات كثيرة تتطرف وتزيد عما قاله مالك في الخمر، ولتكون ملكية أكثر من الملك.!
أحزاب (الآخرين) في الثورة السورية كثيرة، فيما استجد في ساحة الفعل السياسي في السنوات الأخيرة مع اشتداد أزمتنا، وتيه رؤانا الوطنية والمستقبلية، وكلها تجد لنفسها وفي قواميسها ما تبرر به انحرافاتها عن الوطنية السورية، وتصرف جهدًا ووقتًا في الجدال والمناقشة والتعليق دفاعًا عن مواقفها، ومثالنا الصارخ صفحات التواصل الاجتماعي والمجموعات المغلقة، والتشكيلات العاملة والناطقة باسم الثورة السورية، وكل ذلك ما فتيء يضعف السوريين ويشتت قواهم، ويفقدهم الاحترام أمام الآخرين، إلا من رحمه ربه وعصمه بروابط ووشائج الوطنية الصادقة والملتزمة بثوابت المنطق والحكمة التي لا تقبل تبديلًا أو تصريفًا.
الأحزاب الإقليمية والدولية في الثورة السورية أصبحت ظاهرة مقلقة يجب أن يعاد معها تعريف الوطنية، وفرز الصفوف، والسؤال عن معناها وتوضيح مضامينها، خصوصًا أن هؤلاء يزعمون أنهم ثاروا على نظام غاشم، ضيع الهيبة الوطنية وجلب كل شذاذ الوفاق لوطنهم، وألحقهم بمشاريع الآخرين الطامعة بهم، وبأرضهم وثرواتهم.
والسؤال: كيف يصح أن تكون وطنيًا وأنت فقدت ملامحك، وتخليت عن حقك وأرضك، ورهنت تاريخك ومستقبلك.؟!
اتسع الخرق في الثورة السورية، بعضه عن جهالة، وكثيره عن قصد وعمد، وغاب إلى درجة كبيرة، وبفعل عوامل عديدة، صوت (الحزب السوري) الذي يمثل السوريين ويعبر عن وطنيتهم واستقلالهم، والذي يستند الى أصالتهم وعمق انتمائهم العابر لطوائفهم ومذاهبهم وأديانهم وقومياتهم.
عبد الرحيم خليفة
كاتب سوري