ذاكرة الفن التشكيلي السوري


 

الفنان التشكيلي والنحّات

محمود جلال

ظهيرة يوم صيفي من عام 1914يقف زوجان شابان عند مدخل مدينة دير الزور يتأملان طبيعة المكان ويحلمان بمستقبل جميل في البلد الجديد بعد رحلة شاقة من ليبيا الى تركيا ومنها الى سوريا هربا من الاحتلال الايطالي. لم يكن هذان الزوجان الا والدا الفنان محمود جلال الذي لم يكن قد تجاوز عامه الثالث آنذاك.

عمل والده في سلك القضاء متنقلا في عدد من المدن السورية غير أنه فضل الاستقرار في مدينة دير الزور التي كانت الأقرب الى روحه بطبيعتها الجميلة ولهجتها البدوية، معيدة إلى ذاكرة القاضي المهاجر الكثير من تفاصيل الحياة في وطنه الأول ليبيا، في هذه البيئة الفراتية نشأ الفنان محمود جلال الطفل والشاب العاشق للطبيعة والفن. 

سافر محمود الى إيطاليا ليدرس الفنون الجميلة عام 1939 حيث سنحت له الفرصة بأن يتتلمذ على يد الفنان الايطالي سيفيرو ليعود بعد عدة سنوات ويعمل مدرسا للفنون في العديد من المدارس السورية، وليبدأ في ذات الوقت رحلة طويلة عمل خلالها على نشر وتطوير الفن ودعم الحركة التشكيلية السورية المعاصرة، فكان من مؤسسي الجمعية السورية للفنون ورابطة الفنانين السوريين التي أصبح رئيسا لها عام 1957، كما ساهم بوضع حجر الأساس لكلية الفنون الجميلة عام 1960 ونقابة الفنون عام 1969. عمل مدرسا للنحت والتشريح والتصوير في كلية الفنون حتى تقاعده.

اعتمد جلال الأسلوب النيوكلاسيكي في تنفيذ أعماله الزيتية حيث امتازت أعماله بالرمزية والحداثة. تناول في أعماله الكثير من القضايا الوطنية والانسانية. كثيراً ما تحضر في أعماله البيئة الفراتية الخضراء وتربتها الحمراء التي تفيض حياة وحيوية، فكان عاشقاً دائماً للريف الفراتي طبيعة وإنساناً، مصوراً تفاصيل حياته وبساطة عيشه وجمال مشغولاته اليدوية الملونة من قش وسجّاد وغيرها. بقيت هذه البيئة الغنية بصورها الإنسانية وألوانها الساحرة مورداً ينهل منه الفنان مادة لأعماله المميزة. لعل لوحة (الغروب) من أجمل أعمال جلال كذلك (ثلج في دمشق) التي نفذها في واقعية توشحها نزعة رومانسية. أما عن أعمال النحت فقد تنوعت مزجاً للواقعية والتكعيبية والتبسيط مظهرة عمق تجربة واستيعابا كبيرا لشتى المدارس الفنية تمتع به الفنان. من أشهر منحوتاته (عباس بن فرناس) و(الأمومة) و (ابن رشد).

شارك محمود في الكثير من المعارض الفنية وحصل على عدد من الجوائز والميداليات والأوسمة كان آخرها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الاولى عام 1971. اقتنت أعماله وزارات الثقافة والخارجية والتربية كما يمكن مشاهدة بعض أعماله في المتحف الوطني في دمشق. 

رحل جلال عن عالمنا عام 1975 ليختم مسيرة رائد مهم من رواد الحركة التشكيلية السورية المعاصرة عكس على سطح لوحاته الكثير من ملامح سوريا تراثاً وإنسانا.  

 

 

يُسر عيّان

كاتب سوري

 

Whatsapp