هل بقي أي شيء من شعارات أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، ووحدة- حرية - اشتراكية؟، وهو شعار حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي أسسه: (زكي الأرسوزي - ميشيل عفلق - صلاح البيطار- في ٧ نيسان / ابريل ١٩٤٧).
التسمية في فترة التأسيس كانت ملفتة للنظر فالاشتراكية والقومية كانتا كلمتين جذابتين فشجعت الكثير من الشباب في زمن الحريات على الالتحاق بهذا الحزب، بالرغم من عدم وضوح الشعار حتى أن الكثير من البعثيين أعطوا لعبارة "رسالة خالدة" تفسيرات عديدة غير مفهومة، ولكنهم لم يتفقوا على تفسير معين، لا أنكر أن بعض الشباب من أصدقائنا في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات كانوا متحمسين للانتساب إليه، فلقد كانت البلاد العربية في تلك الفترة الزمنية تعيش فترة القوميات والاشتراكية الجذابة، إلا أن الحركة الناصرية التي تبنت القومية العربية طغت على الحزب وجمدته، فأصيب أركان حزب البعث بخيبات وتجاذبات حيث استدعى تحرك سري عسكري في عهد الوحدة مع مصر سمي باللجنة العسكرية الخماسية مؤلفة من كبار الضباط البعثيين، برئاسة أعلاهم رتبة العميد (بشير صادق) الذي سبق وكان ضمن الوفد العسكري المطالب بالوحدة، فيما كان أدناهم رتبة الرائد (محمد عمران)، وهو الوحيد ضمن الخمسة من الطائفة العلوية، لم يكتب لهذه اللجنة الاستمرار، بسبب حركات النقل إلى البعثات الدبلوماسية، حيث لم يبق منهم في مصر إلا محمد عمران الذي قام بتأسيس لجنة جديدة برئاسته، وهذه كانت نقطة تحول كبرى، فالرائد عمران هو الأعلى رتبة، وضم إلى العضوية الرائد المستجد (صلاح جديد) (والنقيب حافظ الأسد)، من الطائفة العلوية، (وعبد الكريم الجندي وأحمد المير ملحم) من الطائفة الإسماعيلية، وضابطين برتبة ملازم، أدنى مراتب الضباط، من السنّة، على الرغم من وجود ضباط برتب عالية!، وهو ما يعتبره باحثون بداية محاولة هيمنة الطائفية على الجيش بقيادة علوية. فلما استولى البعث على السلطة عام 1963 بدأ التوجه المكشوف لقلب الجيش العربي السوري الوطني إلى جيش طائفي، وما زال القائمون على حزب البعث يتبنون شعاراته من أجل التغطية على هذه الجريمة.
والذي يعرفه القلائل أن البحرية السورية قبل انقلاب البعث كانت تملك ٣غواصات روسية، وأخرى شحن تمًّ تنسيقها وبيعها بالمزاد العلني في عهد الخائن الأول لترسو على الفائز "محمد مخلوف " وحصل على الغواصتين بمبلغ نهائي قدره 6 مليون ليرة سورية فقط، بعد منع بعض التجار الآخرين من الدخول لقاعة الجلسة، وممارسة الضغط على بعض التجار المتواجدين في قاعة المزاد.
كان وزن كل غواصة 1850 طن (3700 طن للغواصتين) أي 3.700.000 كغ.
فإذا كان سعر الكيلو غرام الواحد من الحديد والخردة والألمنيوم بين خمس وعشر ليرات سورية فقط (وهو أعلى من ذلك بكثير وقتها) يكون سعر خردة الحديد والبلوفة الأخرى بين 18.5 – 37 مليون ليرة سورية، كما أن هناك 1000 كغ من الزئبق الأبيض الباهظ الثمن وقيمته أعلى من كامل قيمة الصفقة، إضافة إلى محركين ديزل ضخمين باستطاعات جبارة، ومحركات مساعدة غالية الثمن، ونحن اليوم في نهاية عام 2020 ولا تملك سورية غواصة واحدة. تصوروا؟ أين كانت بحريتنا وأين أضحت اليوم؟
لن أزيد كثيراً في هذا الموضوع فقط أشير إلى تحطيم سلاح الطيران فوق لبنان عام 1982 بمؤامرة اسرائيلية- أسدية حيث كان أكثرية الطيارين من السنة أيضاً، وبذلك يكون الأسد قد أنهى سلاحين هامين دفعة واحدة، هما سلاح الطيران وسلاح البحرية بينما كانت السيطرة على القوات البرية بأسلوب أقل تعقيداً بعد أن وقع الرئيس نور الدين الأتاسي على مرسوم التسريح في صفوف ضباط السنة بناءً على توصية من وزير الدفاع حافظ الأسد تحت اتهامات بالناصرية والإخوان المسلمين.
كل ذلك تم تحت شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة - وحدة- حرية - اشتراكية -
فعندما استلم المجرم الثاني بشار الأسد كان الجيش مسيطراً عليه وتحت نفوذ الطائفة العلوية فأكمل المهمة ومزق الجيش شر ممزق.
لقد عاصر الجيش العربي السوري عهدين، العهد الأول منذ فترة 1946 وحتى 1963 أي 17 عاماً فقط قبل حكم البعث بأسلحة متواضعة حقق خلالها انتصارات عظيمة في معارك مشهود لها حتى أنه في إحدى المعارك مع العدو الصهيوني طلبت اسرائيل من مجلس الأمن أن يصدر قراراً فورياً بوقف إطلاق النار بعد أن ذاقت الأمرين من صلابة الجيش في فترة الحريات، وعاش العهد الثاني فترة منذ 1963 ولغاية 2020 أي 53 عاماً تحت حكم البعث الأسدي، أي 3 أضعاف فترة العهد الأول تحقق فيها تدمير الجيش والشعب السوري معاً من أجل أن يعيش نظام الأسد الاجرامي وتعيش إسرائيل بأمان معه.
أعود إلى شعار حزب البعث، وماذا بقي من هذا الشعار بعد أن تحولت (الكليشة: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، إلى شعار حزب تحكمه الصفوية والفارسية والروسية القيصرية وفوقهم إسرائيل.
وماذا بقي من شعار (وحدة - حرية - اشتراكية) الذي تحول إلى (طائفية - وسجون ومعتقلات وقتل وتهجير- وسرقة ورشاوي ومحسوبيات). هذه هي سورية الأسد، لقد حطموا سورية حتى لا نستطيع رفع الحمل من جديد ليبقوا معشعشين فيها، ولكن مهما كان حجم الكارثة فسنزيل عصر الإجرام لنبني سورية جيشاً وشعباً وعمراناً من جديد، هدف لابد منه لتبقى سورية منتصرة بأبنائها الوطنيين.
م. هشام نجار
كاتب سوري