(شبيك لبيك عبدك بين إيديك)، قالها لي المارد الذي طلبت منه أن يحولني إلى ستارة في غرفة نومها.
بلمح البصر رأيت نفسي أتدلى من سقف غرفتها بعرض الحائط، وكانت أول فرصة لي بالاقتراب منها بهذا الشكل، لكن المارد علقني ومضى دون أن ينتبه أن وجهي للنافذة وظهري للسرير، فكنت أستمع إلى موسيقاها الجميلة وأقول في نفسي كم تشبهني هذه الأميرة، وكنت أسمع نقرات أصابعها وهي تكتب لي الرسائل، وأحياناً أشعر بدموعها على السرير وأحاول أن اقترب منها وأمسح دموعها لكنني ستارة معلقة.
في الصباح كنت أرى الشمس وأحاول أن أمنعها من الدخول إلى أن تستيقظ بهدوء الأميرات، كنت أنتظر أن تغادر السرير لأنها ستمسك بي بأصابعها، سأشعر بتلك القشعريرة وهي تسحبني إلى اليسار كي تفتح النافذة للهواء والضوء وأصوات المدينة، كانت تلك الدقائق أجمل لحظاتي وهي واقفة بيني وبين النافذة، فكنت ألتصق بها دون أن تنتبه لي، وكنت أنطوي في دوائر جسدها وأتمنى وقتاً مزيداً من الوقوف أمام النافذة، وبعد دقائق كانت تغادر الغرفة وأسمع صوت موسيقاها من الحمام فيقتلني الشوق، وبعد نصف ساعة أسمع صوتها في الغرفة وصوت أبواب الخزانة وهي تفتح باباً وتغلق آخر، وكأنها مترددة باختيار الثوب الذي يصلح لنهار مشمس يحرق قلوب الرجال، ثم يفوح عطرها وهي تبخ بخات خفيفة حول عنقها وتغادر الغرفة مرة أخرى، ثم أسمع صوت الباب الخارجي، وبعد دقائق أراها تقطع الشارع وهي مشغولة تكتب الرسائل لي وتنتظر الرد.
حزيناً كنت أتدلى من سقف غرفتها ووجهي إلى الشارع فلم أحظَ بأن أراها ملء اللحظة أو أتأملها كل الليل وهي نائمة، وبقيت على هذه الحال لمدة طويلة أحزن لحزنها وأضحك لضحكتها وأغضب لغضبها، وفي الليل كانت كل أحلامي هي أن يعود المارد وأطلب منه أن يحوّلني إلى غطاء ناعم من حرير أو وسادة.
في الصباح جاءت أمها واقتلعتني برفق من السقف ثم رمتني في غسالة الثياب مما سبب لي صداعاً شديداً، لكنني تحملت كل هذا لأبقى في مدار جاذبيتها، وفي المساء حملتني الأميرة وراحت تنشرني على المنشر بأصابعها الجميلة وكانت أول مرة أراها عن قرب وأرى نفسي بين أصابعها وهي تلامس جسدي المبلل، وبعد انتظار يومين على منشر الغسيل علقتني الأميرة ووجهي للغرفة وراحت ترتبني وتمرر كفيها على كل جسدي وهي تغني لتمحو التجاعيد عني فكنت أنتشي بين أصابعها.
وصرت أراها كل لحظة وأتمنى موت المارد، أرى طلاء الأظافر وهي تمدده على أظافرها، ومرات كنت أتمنى أن تضع الأزرق فتختاره هي وكأنها تشعر بي، وكنت أساعدها في اختيار ملابسها فتختار هي ما وقعت عيني عليه وكأنها تسمعني، كنت أغمض عيني حين كانت تبدل ملابسها بالرغم من أنها لا تراني لكنني أخاف أن أقول لها يوماً بأنني رأيتها دون علمها فتغضب.
وكنت أسهر معها وهي جالسة على السرير تقرأ الكتاب الذي أهديتها إياه، وأنتظر بفارغ الصبر أن تنهض وتمسك بي لتهزني يميناً أو شمالاً، كي ألتصق بها بضعة دقائق تعيدني للحياة.
عشت شهرين من أجمل أيامي إلى أن انتقلت هي إلى غرفة أخرى ولم تأخذني معها لأنها لا تعرف بأنني تحوّلت إلى ستارة فتركتني معلقاً أتدلّى من سقف غرفتها القديمة كرجل على مشنقة.
محمد سليمان زادة
شاعر وكاتب سوري