في خضم الأحداث المتلاحقة على كافة الصعد، الدولية والإقليمية والمحلية والتي لا تخلو من غرابة كغرابة سنة 2020 كما ينعتها الملايين شرقاً وغرباً، فمن الإنتخابات الأميركية التي تعدّ أطول انتخابات في تاريخ الولايات المتحدة منذ نشأتها لم تحسم نتيجتها ومازالت احتمالات تقويضها قائمة حتى بعد إقرار ( المجمع الإنتخابي) على فوز المرشح الديمقراطي السياسي العتيق " جو بايدن"، إلى أزمات الرئيس الفرنسي التي لاتنتهي (داخلياًـ خارجياً) من تظاهرات السترات الصفراء إلى فشله في النزاع الأخير بين أرمينيا و أذربيجان وفي ليبيا، ومعاداته الصريحة لتركيا وصدامه مع الإسلام الذي أدى إلى حملة مقاطعة للمنتجات الفرنسية مستمرة منذ قرابة الشهرين وأدت إلى خسائر كبيرة للشركات الفرنسية التي دعمت وصوله للرئاسة، إلى التسابق على إنتاج لقاح كورونا 19 بين الشرق والغرب، إلى التهافت الخليجي على (التطبيع) مع الكيان الإسرائيلي ولحقته كلّ من السودان والمملكة المغربية، إلى الحرب الخاطفة بين أذربيجان وأرمينيا التي انتهت باستعادة أذربيجان لإقليم (ناغورني كاراباخ) بعد ستة وعشرين عاماً من وقوعه تحت الإحتلال الأرميني.
في خضم ما سبق، هناك عشرات القضايا الأخرى التي تخبو وتتصاعد هنا وهناك في تناغم لا يخرج عن إطار التنسيق عالي المستوى في أروقة الأمم المتحدة، على الرغم من محاولات طمس ذلك التناغم لتبدو أحداثاً مستقلة تحاول المنظمة معالجتها، من خلال المنظمات التابعة لها والتي أصبحت موضع شك كبير بمدى مصداقيتها ومستوى الفساد الذي يعتريها، بعد أن تبيّن للقاصي والداني بأنّ هذه المنظومة أصبحت تعتاش على الكوارث وتدفع رواتب موظفيها الباهظة باتباع آلية إدارة الأزمات وليس حلّها (كما نصّت بنودها التأسيسية).
وقد بدا ذلك واضحاً جليّاً لا لبس فيه من خلال تعاطي الأمم المتحدة مع الملفّات الساخنة جداً في المنطقة العربية إن كان في الملف الليبي أو اليمني، ومحاولة الإلتفاف على الحكومة الشرعية هناك ومسايرة الإنقلابيين في كلّ من البلدين (اللواء حفترـ عبد الملك الحوثي)، واقتصار دور المبعوث الأممي على الوساطة في تأمين الإغاثة الإنسانية لملايين المنكوبين بما يؤمن للمنظمة باباً لتمويل طواقمها التي استشرى فيها الفساد.
في الملف السوري وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تكشّف مدى التنسيق بين الأمم المتحدة والنظام والذي تطوّر إلى دعم مباشر في كثير من المحطات حتى باتت بنظر الشعب السوري المنكوب شريكاً " كاملاً" في عملية ذبح الشعب المنتفض ضدّ نظام مجرم فقد شرعيته منذ قرار مجلس الأمن 2254 التابع للأمم المتحدة، وهاهي المنظمة تثبت ذلك من جديد في كلّ مناسبة مستغلة انشغال العالم بالقضايا سالفة الذكر، ليخرج علينا مؤخراً المبعوث الأممي الخاص إلى سورية "غير بيدرسون" بمصطلح جديد أثناء تقديمه إحاطته أمام مجلس الأمن يوم الأربعاء 16/12/2020 حول سير أعمال اللجنة الدستورية في جولتها الرابعة، حين طرح مصطلح " العدالة التصالحية" عوض " العدالة الانتقالية" الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً واستنكاراً شعبياً وردود فعل غاضبة من المعارضة مطالبين بعدم تمرير ذلك المصطلح الذي يساوي بين الضحية والجلاد، وبذلك يتضّح الدور المشبوه للأمم المتحدة في محاولة لإعادة تدوير النظام الذي مازالت تهمة ارتكابه جرائم حرب واستخدامه للسلاح الكيماوي ماثلة أمام اللجان المختصة التابعة للمنظمة.
ويأتي فوز منظمة " الأمانة السورية للتنمية " برتبة محكم دولي في انتخابات هيئة التقييم الدولية ضمن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو) يوم الخميس 17/12/2020 ، والتي تترأس مجلس إدارتها "أسماء الأسد" لتتضّح معالم الإنحطاط الأخلاقي والإنساني الذي وصلت إليه هيئة الأمم المتحدة برمّتها، وبات لزاماً على الدول والحكومات إعادة النظر ببنية هذه المنظمة التي أثبتت فشلها المزمن في حلّ النزاعات منذ تأسيسها وحتى اليوم، ولعلّ فشل منظمة الصحة العالمية في منع تفشّي فيروس كورونا وتأخير الإجراءات الواجب اتخاذها منذ لحظة اكتشافه في ووهان الصينية والتغطية على الأمر، حتى بات جائحة تهدد البشرية، كلّ ذلك يدفعنا للقول أنّ هذه المنظمة باتت تهدّد الأمن والسلم العالميين بعكس ما هو منوط بها. مما يستدعي البحث جديّا عن البديل الناجع لهيئة الأمم المتحدة التي "شاخت" آلياتها على ما يبدو واهترأت، وانحصر دورها بتقديم المساعدات الإنسانية أمام المجاعات وموجات النزوح واللجوء نتيجة الحروب الداخلية التي رافقت الربيع العربي والتي لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. فهل نحن على أعتاب نظام دولي جديد يستطيع إحلال السلام والأمن الدوليين بشكل ناجع، وطي صفحة الأمم المتحدة المليئة بالنكسات والملفّات المشبوهة والمعايير المبهمة؟
ياسر الحسيني
كاتب واعلامي سوري