هل الديمقراطية الأميركية في خطر؟ 


تلقت الديمقراطية الأميركية ضربة موجعة في تاريخها، لم يكن المشهد عادياً بالنسبة للعالم فالغالبية صدمت من المشاهد التي لم يعتد العالم على رؤيتها إلا في بلدان العالم الثالث

أثارت حادثة اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي ما يعرف بالكابيتول في السادس من يناير/ كانون الثاني صدمة للجميع فمنهم من وجدها فرصة للسخرية من الحادثة ومنهم من صدم. 

فالبداية كانت منذ انتهاء الانتخابات الأميركية وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن لم يعترف ترامب بالهزيمة بالبداية بل ظهر لأنصاره ليخبرهم أنه قد انتصر، عاد بعدها ليظهر ويوزع الاتهامات بالتزوير وسرقة الانتخابات، ولم يحاول تهنئة الرئيس المنتصر بل حاول بعدها الضغط على نائبه مايك بنس لإلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة لكنه رفض وأخيراً دعا أنصاره إلى التوجه نحو واشنطن في مسيرات مؤيدة له من أجل التصديق على الانتخابات الأخيرة.

عبارات أطلقها الرئيس الأميركي الحالي وصفها ناشطون بالعنصرية والديكتاتورية والتي تدعو إلى التحريض منها: "يجب علينا القتال بقوة أكبر من أجل إنقاذ ديمقراطيتنا وبأننا لن نستسلم ولن ندعهم يُسكتون أصواتنا".

جاء التحريض من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء التصديق على نتائج الانتخابات ليقوم أنصاره وفي حادثة لا سابقة لها باقتحام مبنى الكونغرس الأميركي وإثارة أعمال شغب منها سرقة منصة الكونغرس وسرقة أجهزة كومبيوتر أهمها يعود إلى رئيسة مجلس النواب باتريسيا بيلوسي مع اقتحام مكتبها الخاص.

سرقة وأعمال شغب مع اشتباكات بين قوات الأمن وأنصار ترامب وإطلاق الرصاص الحي وغازات مسيلة للدموع مع قتل 4 أشخاص منهم ضابط للأمن، مع توجيه التهم وملاحقة لأكثر من أربعين شخص.

مشاهد صدمت العالم بأكمله فلم يشهد العالم هذه الصور لعرش الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية، ولم يسبق وأن اقتحم مبنى الكونغرس الأميركي في تاريخ أميركا الحديث والعملية كانت مفاجأة وصادمة للجميع. 

حاول ترامب بعد الحادثة ترميم الوضع فنشر مقطع فيديو عبر تويتر يعبر عن غضبه جراء أعمال العنف التي حصلت ويدعو أنصاره إلى الهدوء والعودة إلى منازلهم. ظهر بعدها الرئيس المنتخب جو بايدن ودعا الجميع إلى الهدوء وعبر عن صدمته جراء ما حدث مع تحميل ترامب كامل المسئولية وبأنه وراء انقسام الأمة الأميركية.

استأنف الكونغرس الأميركي بعد الحادثة جلسته بعد توقف دام ست ساعات إثر اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس وصادق على فوز جو بايدن ليصبح رسمياً هو الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية.

تعهد بعدها ترامب بالانتقال السلمي للسلطة من أجل سلام البلاد حسب تعبيره لكنه لن يحضر حفل تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. 

طالب بعدها مشرعون أميركيون وأعضاء من الكونغرس الأميركي بعزل الرئيس دونالد ترامب قبل 20 يناير مع تحميله كامل المسئولية، وقام كلاً من تويتر وفيس بوك وانستغرام بتجميد حسابات ترامب عبر بيان لها بأن هذا الشخص يساهم في تأجيج العنف بدلاً من تقليله وهذه الحادثة تعتبر الأولى من نوعها. 

سارع بعد الحادثة زعماء العالم بأكمله في إعرابهم عن مشاعر الصدمة من اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس منها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وتركيا والاتحاد الأوروبي مع صمت عربي. شدد الجميع على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة وبأن هذا الفعل غير مسبوق وغير مقبول على الديمقراطية الأميركية ودعا الجميع للقبول بنتائج الانتخابات بينما جاءت التصريحات لرؤساء الولايات المتحدة الأميركية السابقين فاعتبر باراك أوباما بأن هذا الفعل مخزي وعار على الولايات المتحدة وقال أيضاً إن التاريخ سيذكر أعمال العنف التي حصلت في الكابيتول بتحريض من رئيس كذب بلا هوادة بشأن الانتخابات.

أما جورج بوش فقال ما حصل في الكونغرس تمرد يليق بجمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية فيما اعتبر بيل كلينتون أن هذا الاعتداء يعتبر بمثابة الاعتداء على دستور البلاد معتبراً أن هذا الهجوم غذته أربع سنوات من السياسات المسمومة والتضليل المعتمد

آراء وتصريحات كثيرة استنكرت الحادثة ومنها ما اعتبرت بأن ترامب حاول أن يقوم بانقلاب على الديمقراطية الأميركية لكنه فشل.

وأخيراً لن يكون المشهد الأخير جراء اقتحام مبنى الكونغرس أقسى على أميركا من الحرب الأهلية التي شهدتها في القرن التاسع عشر وعلى الرغم من مرارتها خرجت أميركا بعدها منتصرة قوية مع شعبها ومؤسساتها أقوى، فهي تقوم على مؤسسات راسخة في تكويناتها الديمقراطية التي تقوم على انتخابات حرة نزيهة داخلها مكونات اجتماعية صلبة ومنظمات مجتمع مدني فاعل يدافع عن قيمه ومبادئه.

ستتجاوز أميركا محنتها فور استلام جو بايدن زمام الأمور وستخرج أقوى مما سبق وسيكتب التاريخ بأن دونالد ترامب هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي دعا إلى العنف والتحريض والتشكيك بالديمقراطية الأميركية. 

هذه الدول مصانة وتحمي نفسها بمؤسسات للشعب منتخبة يصعب تجاوزها ويصعب تكريس الديكتاتورية فالسلطة المطلقة فساد مطلق وهذا ليس موجودًا من خلال توزع السلطات على عكس الحالة السائدة لدينا فالسلطة والدولة والمؤسسات مسخرة بيد الحاكم بأمره.

 

 

آلاء العابد 

كاتبة سورية    

Whatsapp