يمضي عام 2020 على السوريين تاركًا وراءه جملة من المصائب والكوارث التي لم يحتملها شعب في العصر الحديث، فبالإضافة لوباء كورونا الذي ضرب العالم شرقه وغربه مخلفًا آلاف الضحايا في القارات كافة، وكان وقعه أقسى على شعبنا نتيجة إهمال النظام وتراجع الواقع الصحي، ساد القمع والقصف والتشريد والجوع في وقت ماتزال الناس فيه بأشد الحاجة لأساسيات الحياة المفقودة من الخبز حتى الدواء والتدفئة في هذا الشتاء القارس، فقد دخلت سورية عام 2019 وسعر صرف الدولار 900 ل.س وخرجت منه وسعر الصرف بحدود 2900 ل س، الدخل ثابت والأسعار تلتحق فورًا بالدولار، وتشتد معاناة السوريين في الداخل، في وقت شح المنتوج المحلي وأصبح الاعتماد على الاستيراد هو السائد لغالبية السلع، حتى القمح وكانت سورية تصدره أصبحت تستورده وهو السلعة الإستراتيجية الأهم. لقد سميت سورية ببلد الطوابير، طوابير في كل شيء حتى التبغ المصنوع محليًا ارتفعت أسعاره بشكل جنوني وأصبح الحصول عليه صعب المنال، كل هذا الكلام يختفي عندما تتوجه إلى السوق السوداء، فكل شيء موجود وبالكمية المطلوبة ولكن بأسعار فلكية فمن المستفيد. المعروف أن حكم البعث خلق هذه السوق السوداء منذ بداياته وذلك كطريق للتربح من أجل الفاسدين والموالين والمقربين مثلما خلق أسواق التهريب من لبنان عندما دخل جيشه إلى هناك، لم تكف هذه الأزمات في سورية لإشباع رغبة النظام ومحازبيه وميليشياته في إذلال الشعب وقهره فامتدت يد النظام إلى المساعدات الأممية الشحيحة ليسرقها ويبيعها علنًا للناس وذلك عن طريق الهلال الأحمر السوري والحواجز الأمنية وبكافة الطرق، حتى وصلت هذه السرقات إلى المناطق خارج سيطرة النظام عن طريق مندوبي هذه المنظمة، وأضاف إلى تعديه على حقوق الشعب أخيرًا الاستيلاء على أملاك المواطنين المهجرين بمزادات علنية للاستثمار لصالح السلطة والمليشيات التابعة لها ليرسخ بذلك سياسة التغيير الديمغرافي بعد تهجير السكان بالقصف والترهيب. ومع أن الأصوات تتعالى بين الموالين وحتى من نفس العائلة الحاكمة لتفضح الفساد والنهب في أعلى المستويات، إلا أن النظام لا يلتفت إلى كل ذلك، فهمه الوحيد الآن هو تجنيد من بقي من نظامه لمهمة إعادة انتحابه لسبع سنوات جديدة، بعد عشرينيتين قضاهما حاكمًا وريثًا، فالعشرة الأولى ذهبت وإعلامه يصدح بالصوت العالي وبكل الوسائل بمسيرة الإصلاح والتطوير التي لم ينل منها الشعب إلا مزيدًا من الفقر والذل والقمع، فقد طفت على سطح الاقتصاد طبقات جديدة نهابة وفاسدة مسلحة بقوانين الانفتاح وضرب الصناعة الوطنية وإغلاقات واسعة لمعامل القطاع العام وحتى الخاص لصالح هذه الطبقة التي كان هدفها تحطيم ما بقي من الاقتصاد الوطني ليخلوا لها الجو لإدخال سلعها المستوردة التي تتحكم بنوعياتها وبأسعارها. وجاء على رأس هذه الطبقة قيادة اقتصادية خدمت أجندات خارجية في مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذي تتبع سياسات نيو ليبرالية لا تتوافق مع اقتصادنا واحتياجاتنا بل ما يهما هو فتح الأسواق وإزالة كل العوائق أمام السلع الخارجية المنافسة. مع بقاء (بروبغندا) إعلامية تقول بالاشتراكية وبالمجتمع الاشتراكي الموحد. أما العشرينية الثانية فالكل يعلم أنها كانت حرب شعواء على الشعب قتلت ودمرت وشردت الملايين ومازالت التصفيات في السجون والمعتقلات والاختفاء القسري سيدة الموقف إلى الآن.
وإصرار النظام على انتخاب نفسه بدعم روسي وإيراني، مع أنه النظام الذي فعل ما فعل بشعبه من المآسي، لأنه يرى بنفسه أنه قضى على أي بديل حقيقي، وروج بتحالفه مع المتشددين وإخافته للعالم بالغول الإسلامي البديل لأن يسكت العالم عن فظائعه، وكما قال ماكرون إن النظام يقتل السوريين وليس الفرنسيين، فما يهمنا؟
ليس هناك من معنى لإعادة انتخاب الأسد إلا إغلاق أي نافذة أمام الشعب السوري في إصلاح النظام والبلاد فلن يستقيم أي إصلاح بوجوده، نقول هذا من منبرنا في صحيفة إشراق التي تحتفل بعيد ميلادها الخامس كصحيفة سورية في المنفى والتي تساهم بإيضاح ما يجري في سورية مع فضح الفساد والقمع الذي يتعرض له شعبنا منذ عشر ات السنين، وإننا من منبرنا هذا ندعو كل الأقلام النزيهة في المنفى للمساهمة في كشف وتعرية هذا النظام لعلمنا أن سورية أسوء دولة على مستوى العالم في حرية الصحافة. يمضي عام ويأتي عام ومأساتنا مستمرة ولن نتخلص من ذلك الكابوس إلا بالتكاتف والتضافر لكل الجهات الوطنية نحو إجماع سوري لقيام جبهة عريضة وتوحيد الجهود ليبدأ طريق الخلاص.
محمد عمر كرداس
كاتب سوري