تحاول بعض الدول الداعمة للنظام السوري، وخاصة دولتي الاحتلال الروسي والإيراني، إعادة تعويم بشار الأسد، ومن ثم الترويج لموضوع إعادة انتخابه من خلال الاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم، وبالتالي العمل على إتاحة الفرصة لهذا المجرم رأس العصابة، أن يعيد الكرة، ويفرض نفسه رئيسًا جديدًا لسورية، وهو الذي دمر أكثر من 65 بالمئة من البنية التحتية والعمرانية السورية، وقتل ما يزيد عن مليون سوري مدني، وزج في غياهب السجون أكثر من 500 ألف معتقل سوري من خيرة أبناء سورية، وغيب قسريًا (بدون معرفة مصائرهم) أكثر من 300 ألف سوري، ويتم الكثير من أطفال سورية، وعوق مئات الآلاف، وجعل إعادة إعمار سورية تكلف اليوم ما ينوف عن 450 مليار دولار، حسب تقديرات أممية رسمية.
لكن السؤال الجدي والموضوعي يبقى قائمًا ومفاده: هل تمتلك دولة الاحتلال الروسي، أو دولة الاحتلال الإيراني تلك الشرعية الدولية أصلاً، لتمنحها للمجرم القاتل بشار الأسد؟ هل من المعقول والممكن أن يتم تعويم الأسد بعد كل ما جرى على مستوى الدول الكبرى، حتى لو تغيرت الإدارات الأميركية، وحتى لو تمت محاولات خجولة نحو إعادة ربطه وإدخاله إلى حظيرة الجامعة العربية، التي سبق وأن طردت هذا النظام شر طردة، مع بدايات الربيع العربي، ومنعت مشاركاته في كل مفاصل ومؤسسات الجامعة العربية، باعتباره قاتل لشعبه، وسارق للسلطة، وخاطف للوطن السوري.
واقع الحال يقول أن المصالح الروسية كما مصالح المشروع الإيراني الفارسي الطائفي الإمبراطوري، تجد أن بقاء الأسد أكثر خدمة لمصالحهم، وأن التجديد له انتخابيًا على طريقتهم، قد يؤدي في المستقبل إلى جعله أمرًا واقعًا، ومن ثم يخلق حالة من القبول الدولي والإقليمي، لكن الشرعية (في الحقيقة) لا يمكن اكتسابها عبر دعم دول استبدادية تمارس القتل والاعتقال وتكم الأفواه تجاه مجتمعاتها، وبالتالي فإن من يقتل شعبه تسقط شرعيته دستوريًا وقانونيًا ودوليًا ووطنيًا، وليس من المنطقي أن يكون الحاكم قاتلاً بدلًا من أن يكون حاميًا لشعبه من تغولات الخارج.
انكشف النظام السوري ورأسه بشار الأسد، وتحلل من مشروعية وشرعية وجوده منذ زمن بعيد، وقد حالت المقتلة الأسدية الممارسة ضد السوريين، دون أن يكون بالإمكان وتحت أي ظرف موضوعي أو شرعة دولية كي يكون حاكمًا شرعيًا للدولة السورية. بينما السوريون يبحثون وبكل ألوان الطيف، عن بدائل قادرة على إنتاج عقد اجتماعي جديد بدون آل الأسد، وخارج إطار الهيمنة الطائفية السلطوية الماحقة والهادرة لكرامة الإنسان السوري، عبر عقود متتابعة من انتفاء السياسة من المجتمع، وإنهاء الرأي الآخر، وإلغاء الحريات برمتها.
لا ضير أن الموعد الانتخابي بات قاب قوسين أو أدنى، ومن الممكن جدًا أن تحميه روسيا ومعها إيران، لكن كل ذلك لا يجعل من الشرعية امرًا واقعًا، فشرعية الحكم لها حيثياتها الأخرى، كما أن لها اعترافها الدولي ضمن إطار مؤسسات دولية ذات وجود قانوني. وكل ما يمكن لروسيا فعله ومعها إيران، هو فرض انتخابات رئاسية داخلية بقوة السلاح والبراميل، وتغول العصابة الأمنية، لكن ذلك كله لا يجعل من اللاشرعي شرعيًا، بل يزيد الهوة بين الناس والسلطة الأسدية الخاطفة للوطن والسارقة والناهبة لخيراته، والتي باعت سيادتها للخارج الروسي والإيراني وإلى أجل غير مسمى.
سيبقى الوجود الاسدي في سورية وجودا غير مقبول شعبيا، وسيبقى تدوير الأسد أو إعادة تأهيله وتدويره، حالة طارئة وغير صحية، وسوف تبقى راية الحرية والكرامة التي رفعها شعب سورية أواسط آذار/ مارس 2011، هي الأكثر مشروعية والأكثر منطقية، وبعلاقة متمفصلة مع جل الحالة السورية، وهي التي ستنتج في قادم الأيام وبالتعاون مع أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين، دولة الحق والقانون، وتقيم بنيان الوطنية السورية أولًا، على أسس توافقية عقلانية لا تستثني أحدًا، ولا تتجاوز أية أثنية أو تلوينًا طائفيًا أو سياسيًا، وصولاً إلى إقامة الدولة الوطنية السورية التي تحمي شعبها بدلًا من أن تتعدى عليه، وتقيم مؤسساتها على أساس من العدل والمساواة، وعى ذلك أم لم يعيه، كل من تنطع للخوض في الواقع السوري، الذي سينتج بالضرورة عاجلاً أم آجلًا بنيان العمارة المجتمعية السورية، المتماسكة، المتحابة، والمتجانسة والمنسجمة بحق، وليس كما أراد لها من التجانس الآخر ذلك المجرم بشار الأسد.
أحمد مظهر سعدو
رئيس القسم السياسي