سورية المنكوبة بين نظامها والمعارضة المزعومة


    تعيش سورية نكبة مزدوجة بين نظام القمع والقتل والتدمير والفساد ،وبين معارضة أقل ما يقال عنها فاقدة لقرارها مشتتة الولاء بين الدول الإقليمية والدول الكبرى، مفروضة على الشعب السوري دون أن يكون له رأي في اختيارها أو تنصيبها، وكما الموالون للنظام في الداخل السوري والخارج يسلمون أمرهم للنظام ويعتبرونه مرجعهم وولي نعمتهم، كذلك المعارضة الرسمية من ائتلاف ومجلس وطني وحكومات  متعددة، تعتبر من نصبها ولي نعمتها تراعي مصالحه وأجنداته وتنفذ رغباته التي لا تعبر عما يريده الشعب غالبًا، الذي يريد أولًا الخلاص من النظام القمعي وإقامة حكم وطني ديمقراطي يعبر عن إرادة الشعب الحرة بحياة كريمة تحقق العدالة والمساواة لجميع السوريين بمختلف تلاوينهم، الذين عاشوا على الأرض السورية بكل محبة ووئام قبل أن يتغول عليهم نظام البعث المخابراتي ويزرع بينهم التفرقة والأحقاد ليمزقهم إلى فئات متناحرة ومتباعدة. 

    يكفي أن ننظر إلى مجريات عمل اللجنة الدستورية لنؤكد على هذا الكلام، ونعرف تمامًا أن النظام وحلفاؤه يحققون ما يريدونه من هذه اللجنة والمعارضة التي من المفروض أن تمثل الشعب لم تحقق أي شيء، حتى إن أحد أعمدة النظام صرح بأن هذه اللجنة أصبحت في جيبنا، ومازال ممثلو المعارضة يصرون على الاستمرار فيها، مع العلم أن الشعب السوري  ليست مشكلته في الدستور، فعلى كثرة دساتير البعث منذ عام 1963 حتى عام 2012، لم يشعر الشعب بأي تقدم في مجال الحريات العامة والخاصة، وبقي النظام القمعي يخترق الدساتير التي وضعها في كل يوم، ومع أن اللجنة الدستورية كان نص عليها قرار مجلس الأمن الخاص بسورية ذي الرقم 2254،إلا أنها لم تكن الأولوية في القرار، بل كانت الأولوية لانتقال سياسي حقيقي وعملية تنهي تسلط النظام الحالي لنظام يرضى عنه الشعب، ومع أن تقديم اللجنة الدستورية كان اختراقًا روسيً ا لهذا القرار،فقد قبلت به المعارضة التي لا تملك قرارها ولا إرادتها ويبدو أنها ارتاحت للجلوس في فنادق جنيف والتمتع بمغرياتها المالية وتناست أن هذا الاختراق ينهي القرار الأممي ويتركه مرميًا على قارعة الطريق بلا جدوى.

    يعمل النظام على تهيئة الخارج والداخل منذ الآن من أجل إجراء انتخابات صورية كالعادة لإعادة تعويم النظام بعد أكثر من عشر سنوات من قتله وتشريده لأكثر من نصف الشعب هو ومن استجره من منظمات إرهابية عالمية وحلفاء ومرتزقة من أكثر من 70 دولة، ومع أن القاصي والداني يعلم زيف انتخاباته وعدم شرعيتها، فإنه سيزيد من معاناة شعبنا في الداخل والخارج وذلك أمام نظر الأمم المتحدة المتواطئة والدول الكبرى والإقليمية التي لا يهمها إلا تحقيق أجنداتها المغايرة لمصلحة الشعب السوري ورغباته. ومن الجريمة أن تشارك المعارضة بهذه المهزلة التي إن حدثت ستضاف إلى جرائمها المستمرة.

    ما معنى أن تجرى انتخابات في بلد لا يستطيع النظام أن يؤمن لمواطنيه حتى الخبز، فماذا سيكون برنامجه الانتخابي غير المقاومة والممانعة الكاذبة وهو الذي يفاوض الصهاينة دون وسيط ولم يطلق طلقة واحدة على أراضينا المحتلة منذ عام  1967 وعام 1973، ومع ارتياحه لنجاح بايدن وتفاؤله بفريقه الذي سيهتم بالوضع السوري، تزداد معاناة الشعب بتدهور جديد للوضع المعيشي من غلاء وفقدان للمواد الأساسية من مواد تدفئة وانقطاع شبه دائم للكهرباء في عموم سورية وارتفاع سعر صرف الليرة مما يعني معاناة أكثر خصوصًا مع علمنا أن غالبية المواد أصبحت تستورد من الخارج بالعملات الأجنبية.

    إن سورية اليوم بحاجة أولاً لعملية انتقال سياسي ليأتي بهيئة حكم تمهد لحياة دستورية وبرلمانية جديدة يرضى عنها الشعب وأن تكون هناك معارضة حقيقية تضع مطالب الثورة والشعب كأولوية قصوى بعيدًا عن أي تجاذبات تشتت العمل المعارض الذي ينبغي أن يكون موحدًا وبصوت واحد.

    تحضرني هنا قصة صغيرة، فمعروف أن قاعدة غوانتنامو الأميركية هي في الأراضي الكوبية تستأجرها من النظام السابق لنظام كاسترو وعندما قام النظام الجديد بقيادة كاسترو كانت أميركا ترسل سنويًا شيكًا بأجرة القاعدة لكوبا وكان كاسترو يستلم الشيك ويضعه في درج مكتبه ولا يصرفه بإيحاء رمزي لرفضه الاحتلال مع حاجته لكل دولار كون كوبا محاصرة من أميركا فقد كان يرفض صرف الشيك إلى أن مات.

حمى الله سورية وشعبها وأزال عنها هذا الكابوس الذي طال.    

 

 

محمد عمر كرداس

كاتب سوري

Whatsapp