تكثر في الأوساط السورية كما في العالم أجمع، أخبارٌ لها انعكاسات وتأثيرات على المستقبل، وهذا في مالا يمكن اعتباره خبراً عادياً، تطورات جعلت الزوايا الصحفية تتوسع وتتخصص وتحاول الاجابة بطرق أكثر تحليلاً ودقة وتفصيلاً.
فكان السؤال ماذا حصل؟ لتأتي الإجابة دون مزيد من التفصيل، حدث كذا.. ومع تطور الصحافة بدأت تظهر الأسئلة الأخرى والتي تسمى تارة بالأسئلة التي تبدأ بمفاتيح أربع أو خمسة، ويضاف عليها مفتاح (كيف؟) وهنَّ: ماذا ومن ومتى وأين ولماذا؟
بعد هذه المقدمة يمكن الإسفار عن سببها، وهو التوقف عند الخبر حال سماعه، قبل تصديقه ونقله والتفاعل معه، فكم سبب لنا كصحفيين وكمتابعين تراكمات سلبية، سواء على المستوى الآني أو حتى التراكمي الحاضري والمستقبلي، فالأثر الذي شكلته الكثير من الأخبار عدم ثقة المتابع بها وبأمثالها، وعلى الجانب النفسي في التفاعل والفتور فيما بعد، وعلى الجانب الاقتصادي والسياسي والإعلامي وحتى الأسري، تأثير كل حسب الحالة والمستوى، وغالباً ما كان سلبياً على المتلقي.
(لماذا؟) التي أقصدها، هي إن صح الخبر وقائله بعد التحقق به، أو بَطَلَ الخبر وتبين أنه إشاعة، أو كذبة مقصودة، فلنتوقف عنده ليس للتحليل، بل لنسأل أنفسنا، لماذا الآن؟ (بتجرد) يتم طرح مثل هكذا خبر، وعلى سبيل المثال، الخبر الذي انتشر في الأيام الماضية: مجلس عسكري في سورية بقيادة مناف طلاس.
أُثير الجدل حول مصداقية الخبر، والتحاليل كثرت في سياقه، وأنا الآن أكتب لك وأنت كقارئ تقرأ عنه، فأنا نقلته كمثال نتوقف عنده، وآخر نقله كخبر يراد به ترويج أمر معين، وثالث يريد أن يخفي ما ظهر، ويقول مثلاً إن فشل اللجنة الدستورية لا يبقي سورية دون حل بل هناك طرح جديد قديم، ورابع وخامس وهكذا.
الكثير لا يقول لك ولا لي سبب طرح الموضوع، ولا الأجندة التي يريد تحقيقها من ورائه، ولا السياسة المتبعة في التعاطي معه، ولا المصلحة الحقيقية المرجوة منه، وتبدأ التفاعلات مع الخبر، فهذا وذاك يغرفون بما يعرفون وبما لا يعرفون، وتتشكل حالة تخدم من كان وراء ذلك دون أن أدري أو تدري.
تم التلميح بل التصريح بفشل اللجنة الدستورية ومساعيها في جنيف، في نتيجة متوقعة عند المحللين، وخلالها تم التمهيد لطرح العميد المنشق طلاس كالمنقذ المنتظر، وكذلك تم طرح العديد من الأسماء المنقذة، والتي في كل الأوقات تطرح على أنها مقبولة من كل الجهات، فيا سبحان الله.
لماذا الخبر؟ عند السماع وقبل النقل والتفاعل واتخاذ الموقف، قُمْ واسأل نفسك مالخبر ومن خلفه؟ والأهم: لماذا يطرح الآن؟ فالتراكمات السلبية التي يشكلها أي خبر كبيرة جداً وخاصة في مجتمعاتنا الطيبة التي تصدق الكثير من الأمور، لتصير اليوم فاقدة الثقة بأي شيء حولها حتى بكلامها الذي تقوله.
نحن بحاجة إلى ثقافة إعلامية تجعلنا نَحْذَرُ من الباثين، والعابثين، فسورية بلاد تمر بمعاناة كبرى، ولا ينقصها المزيد من الكوارث، عشر سابقة تكفيها، ولنفكر بالعشر القادمة كيف نحييها بالطرق السليمة الفِطرية العقلية، فأول إعمار يكون في فكر الإنسان في عقله وقلبه، وإن حفظ ما وُهب خير من إعمار ما دُمر، حيث إن حُفِظَ الأول عُمِّر الآخر، وخفت التكاليف، وتغير الإنسان.. فلماذا الخبر؟ لأن ...، الجواب يتيح لك اليقين إن كان صواباً، حقيقياً، دقيقاً، لا ردة فعل منقوصة، ولا تشدد مغلوط، بل قليل من التفكير، يخفف لنا الكثير من العناء والشقاء والتدمير.
فاتح حبابه
كاتب وإعلامي سوري