هل يدفع بوتن ثمن تدخّله في سورية فيخسر وحدة روسيا؟


منذ أن استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) أول مرة في مجلس الأمن 4أكتوبر/ تشرين الأول 2011 ضدّ فرض عقوبات على نظام الأسد لاستخدامه " العنف" ضدّ الشعب السوري، وضع بوتن بلاده في خندق الطاغية لينتقل بعد أن كان داعمًا لحرب الأسد وممولاً لها إلى منخرطاً بجيوشه بشكل مباشر في الساحة السورية لإستباحة المدن والقرى وقتل أهلها وتهجيرهم منذ نهاية 2015 وحتى اليوم.

كنت على يقين من أن هذا التدخّل السافر سيكون له تبعات خطيرة على مستقبل الاتحاد الروسي تماماً مثلما حصل للإتحاد السوفيتي عندما تدخّل عسكرياً لدعم نظام " بابرك كرمال" الصديق للسوفييت 1979، وبعد حرب دامت عشر سنوات اضطرت القوات السوفيتية للإنسحاب بعد تكبّدها خسائر فادحة قدّرت بحدود (40ـ50) ألف جندي، ولم يمض عام على الانسحاب حتى بدأت بوادر التفكّك تهدد الاتحاد السوفيتي ومن ثم حدوث التفكك فعلاً في 26/ديسمبرـ كانون الثاني 1991.

هل التاريخ يعيد نفسه؟ قد يبدو لنا ذلك لطالما الأخطاء هي نفسها في الحالتين الأفغانية والسورية، والأطماع نفسها التي تحكم عقلية الكرملين، والضائقة الاقتصادية أيضاً هي نفسها، فلماذا نتوقع نتائج مختلفة؟

إذا نظرنا للخارطة الجيوسياسية للاتحاد الروسي نجد أن الاتحاد يتألف من 22 جمهورية لها حق الانفصال، ولدى كلّ منها دستورها ورئيسها وبرلمانها، وتحظى ( اسمياً) بحكم ذاتي، وليس مستبعداً أن تتطور الاحتجاجات والتظاهرات التي انطلقت يوم 18 يناير/ كانون الثاني من هذا العام لتهدد هذا الاتحاد، تلك التظاهرات التي عمت معظم المدن الروسية بسبب اعتقال المعارض " أليكسي نافالني" من مطار موسكو وهو قادم من ألمانيا بعد تلقيه العلاج هناك إثر تعرضه لعملية تسميم قبل خمسة أشهر، ومعظم الدوائر الخارجية كانت قد وجهت إصبع الإتهام لجهاز المخابرات الروسية بضلوعه في عملية التسميم لتصفية نافالني الذي فضح فساد بوتين والحلقة الضيقة القريبة منه، وهو الآن يحظى بشعبية واسعة في صفوف الشباب وخاصة في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية وتدهور قيمة الروبل أمام الدولار بشكل كبير، الأمر الذي جعل الأفق يبدو مسدوداً أمام شريحة واسعة من الشباب، ويجدون في شخص ذلك المحامي المعارض الجريء "نافالني " ملهماً لهم ومدافعاً شرساً عن حقوقهم المنهوبة على أيدي حفنة من المتنفذّين الذين يسيطرون على موارد روسيا الهائلة.

قد لا تقود تلك الاحتجاجات إلى انهيار الاتحاد سريعاً، ولكنّها دقّت أول مسمار في نعشه أو هكذا على الأقل بدا للمراقبين من خلال التعامل العنيف من قبل الشرطة والمخابرات مع المتظاهرين ، وتلك الحشود الهائلة للقوى الأمنية وخاصة في العاصمة موسكو، وحتى ولو خبت حدة التظاهرات حالياً إلّا أنها من المؤكد ستعود وربما بشكل أوسع في الأسابيع القادمة، لأن أسبابها ما تزال قائمة وآخذة بالازدياد، بعد الحكم على " نافالني" بالحبس لثلاث سنوات ونصف من جهة، واستمرار العقوبات الأميركية والأوروبية  والتدخّل العسكري في سورية من جهة ثانية الذي مضى عليه قرابة الستة أعوام دون أي نتيجة سوى المزيد من الاستنزاف المادي والمعنوي وتشويه صورة روسيا دولياً أكثر فأكثر.

الجميع يعلم بأنّ " بوتن" حينما قرر التدخل في سورية لإنقاذ الأسد، إنّما كان يلبّي رغبة (أميركية / إسرائيلية) في المقام الأول وأحلاماً استعمارية لإيجاد موطئ قدم لروسيا في المياه الدافئة، وإغرائه بالحصة الأكبر من الكعكة السورية وشريكاً رئيسياً في عملية إعادة الإعمار، ولكن كلّ ذلك بقي ضمن قائمة الوعود المؤجلّة مما فاقم من الوضع الاقتصادي الداخلي، وخاصة في ظلّ استمرار المخاوف من تطورات جائحة " كورونا" التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي عموماً وبشكل أكبر على الاقتصاد الروسي المنهك أساساً.

لعلّ هناك من يعتبر هذا الكلام ينبع من رغبة شخصية كوني لاجئ سوري يتمنى أن يرى عدوّه يتمزّق ويدفع ثمن جرائمه، وأن فكرة تفكك الاتحاد الروسي غير واردة إطلاقاً، فروسيا مازالت دولة عظمى وقوية ولها حضورها في الساحة الدولية ولا يمكن أن تهتز لمجرّد خروج مئات الآلاف من المتظاهرين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: وهل كان الاتحاد السوفيتي يبدو ضعيفاً لدرجة التفكّك؟ وهل كان هناك من يتوقّع انهياره بتلك السرعة؟ من جهتي أرى أنّ روسيا الاتحادية لن تستمر على صورتها الحالية بعد إعلان ترامب تأسيس " القوات الفضائية"، تماماً كما حصل للاتحاد السوفيتي عندما أعلن الرئيس رونالد ريغان يومها مشروع " حرب النجوم".

 

 

ياسر الحسيني

كاتب سوري

 

Whatsapp