تعتبر الانتخابات جزءً حيويًا وهامًا في العملية الديمقراطية وهي تشكل الجسر الشرعي للانتقال الديمقراطي وتداول السلطة، وبدونها لا يمكن أن تتغير السلطات بطريقة شرعية وسلسة، كما أنه بدون هذا الاستحقاق لا يمكن المفاضلة بين مشاريع المنتَخَبين وخدماتهم بواسطة من يمارسون هذا الحق وهم الناخبون، فهي وسيلة هامة وأساسية يمكن من خلالها للمواطنين اختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة أو لسلطة تنفيذية ما، كما أن هذه الانتخابات تفترض أن يقوم هذا المنتَخَب بأداء دوره في الخدمة العامة على النحو الأمثل ليعاد انتخابه في استحقاق انتخابي آخر. وهي حق ضمنه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 25 منه والتي تقر بـ:
" حق كل مواطن في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، وحقه في أن يَنتخب أو يُنتخب."
فلا معنى لانتخابات لا يكون للجميع نفس الحق في أن يكونوا ناخبين أو منتَخَبين، هذا متعذر جدًا في حالتنا السورية، فنصف السوريين مهجرين قسرًا خارج أرضهم ومناطق سكناهم والذين يخشون من مجرد العودة فما بالك بالترشح لمنصب رسمي بوزن رئاسة الجمهورية، هذا بالإضافة إلى تفاصيل تقنية أخرى كثيرة يتعلق بعضها بجيل كامل لم يسجل في السجلات المدنية ولا توجد له أية قيود في الدولة السورية.
لكن رغم كل أهمية وحيوية هذا الاجراء إلا أنه جزء من ميكانزيم كامل، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يعمل الجزء لوحده بمعزل عن بقية الأجزاء فما معنى الانتخابات بدون حرية رأي ومعتقد تسمح للناخب بأن يدلي برأيه بدون خوف من عواقبه، وما معناها بدون مواطن سيد في وطنه، وما معناها في ظل نظام غيّر الدستور في ربع ساعة لتفصيله على مقاس الوريث، بينما لم تستطع اللجنة الدستورية وعلى مدى 16 شهرًا من عمرها أن تضع مادة أو إطارًا عامًا أو حتى مفاهيم دستورية.
بل ما معناها في حالتنا السورية والوطن مدمرًا حيث تشير إحصائيات إلى تكلفة اعمار بحدود 450 مليار دولار أي ما يقارب 25 ضعفًا لموازنة عام 2011، هذا عدا عن أن المرشح الأول في انتخابات رئاسة الجمهورية وطبعًا الفائز بدون جدال هو من سبب هذا الدمار.
تشترط معظم اللوائح والقوانين إن لم نقل كلها للمرشح لمنصب رسمي حتى ولو كان هذا المنصب لجنة حي أن لا يكون المرشح قد ارتكب جريمة أو خيانة، يبدو أننا في الحالة السورية قد تبنت القانون معكوسًا، فسجل المرشح الرئاسي الأول مملوء بمئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين وربما مليونًا من الشهداء إضافة إلى نصف السكان مهجرين قسرًا، ونصف آخر نرى يوميًا طوابيرهم ينشدون ربطة خبز أو ليترًا من البنزين.
كل هذا الخراب وروسيا والنظام السوري يمضون قدمًا باتجاه فرض انتخابات صورية لإعادة تعويم النظام وفرضه على المجتمع الدولي كأمر واقع، بل ويضربون عرض الحائط بالقرارات الدولية وخاصة القرار 2254 الذي ينص صراحة وبدون مواربة على انتقال سياسي ودستور جديد وانتخابات شفافة بإشراف الأمم المتحدة وفقًا للدستور الجديد.
إذا حصل واكتملت مسرحية الانتخابات وهذا ما هو متوقع بناء على ما عهدناه من سياسة روسية و سورية، فلن تكون انتخابات بطعم النزاهة والشفافية برعاية الأمم المتحدة، بل ستكون انتخابات بطعم الدم والبارود برعاية المجرمين والقتلة.
أحمد طه
كاتب سوري