مأساة اليمن


 

 

كان شيئًا متوقعًا قيام الإدارة الأمريكية الجديدة باتخاذ قرار يرفع جماعة الحوثي أحد أطراف الصراع في اليمن من قائمة الإرهاب. وعلى إثر ذلك، صرح مسؤول بالخارجية الأمريكية؛ "إنّ قرارنا هذا لا يعني أن وجهة نظرنا تجاه جماعة الحوثي وممارساتهم؛ قد تغيرت. بل إن تحركنا يرجع بالكامل إلى العواقب الإنسانية للأمر الواقع الذي فرضته الإدارة السابقة في اللحظة الأخيرة".

وفي السياق ذاته نجد أنّ وزير الخارجية الأمريكية السابق مايك بومبيو، قام قبيل تسليم مهام منصبه لخلفه الحالي بأيام قليلة خلال الشهر الماضي، بإعلان جماعة الحوثي منظمة إرهابية، ومن ثم غادر منصبه. ولقد أعلن بومبوي حينها أن هذا القرار المفاجئ سببه العلاقة الوثيقة بين الحوثيين وإيران.

وفي المقابل نجد أنه بعدما أعلن الرئيس الأمريكي الجديد جو بادين أنّ بلاده لن تدعم السعودية بعد الآن في حربها باليمن، خرج وزير خارجيته بيلنكين بإعلان رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب.

لا أحد لا يعلم أنّ الحوثيين يتلقون دعمهم الأيديولوجي والعسكري من إيران، منذ اجتياحهم للعاصمة اليمينة صنعاء في خريف عام 2014، بتحالف مع الرئيس المخلوع الذي أطاحت به ثورات الربيع العربي، علي عبد الله صالح. إلا أن نقطة الوصل الرئيسية في هذا التحالف، كان ابن الرئيس اليمني المخلوع، أحمد علي صالح الذي يعيش في ظل دولة الإمارات. وبالتالي هذا بمثابة بعد آخر من أبعاد تحول الإمارات لأحد أطراف الصراع في اليمن.

وفي الوقت ذاته تواصل الإمارات التي دخلت فيما يسمى بالتحالف العربي ضد الحوثيين بقيادة السعودية؛ تواصل تقويض السعوديين أنفسهم. (للاطلاع على تفاصيل هذا الموضوع وجميع مراحل هذا الدور الإماراتي المتناقض في اليمن، يمكن الرجوع إلى مقالات الأستاذ الدكتور ياسين أكتاي المنشورة هنا يومي 18 و20 يناير/كانون الثاني الماضي، إنها غاية في الأهمية).

وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإنّ ما لا يقل عن 3 ملايين يمني قد نزحوا من ديارهم وأوطانهم منذ بدء هذه الحرب، 3 ملايين من أصل 29 مليون عدد سكان اليمن قبل الحرب. فضلًا عن أنّ 80 بالمئة من الشعب اليمني يعيشون حياتهم بالصدفة كما يقال، حيث لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة دون تلقي مساعدات خارجية من غذاء وغيره.

أما عملية "عاصفة الحزم" التي انطلقت عام 2015 بقيادة السعودية، وهدفت إلى القضاء على الحوثيين، فإنها لم تجلب ولم تحقق سوى مزيد من الألم لليمن واليمنيين. وعلى مدار هذه الحرب التي تستمر منذ أكثر من خمس سنوات، كان المدنيون الخاسر الأكبر، فلم يتوقف القصف المتكرر، وفي المقابل بات الحوثيون والقبائل التي تدعمهم أكثر تطرفًا، وبات الدور الإيراني أكثر حضورًا، وفي نهاية المطاف تحولت اليمن إلى ما يشبه فيتنام السعودية.

اللقب ذاته انطبق على مصر، في حرب اليمن بين عامي 1962 و1970 التي دارت بين مصر والسعودية، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 200 ألف شخص. انتهت هذه الحرب المأساوية وغير المنطقية لسبب مثير للسخرية؛ هو أنّ إسرائيل في حرب حزيران/يونيو 1976 الشهيرة، والتي دامت 6 أيام فقط، قد استولت على مواقع استراتيجية ومهمة في البلاد العربية المجاورة، ومن ضمنها شبه جزيرة سيناء في مصر. كما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية طائرات مصر ومروحياتها قبل أن تتاح لها الفرصة أصلًا لتقلع جوًّا، حيث قصفتها وهي داخل قواعدها ومطاراتها. وكنتيجة مباشرة للحرب، تم سحب القوات المصرية من اليمن، وبالتالي كان لليهود دور فعال في إنهاء حرب عبثية بين المسلمين.

إن ذلك يعتبر من أهم الأحداث والتطورات الأكثر إثارة للدهشة في تاريخ الشرق الأوسط الحيدث. ومن ناحية أخرى، فإن النهاية الحتمية للحرب قد أفادت مصر أيضًا. لأنها كانت عالقة حرفيًّا في مستنقع داخل اليمن ولم تكن تعرف الخروج منه، ومن هنا كان استخدام تعبير اليمن فيتنام مصر" دارجًا ومنتشرًا في ذلك الوقت.

تُحكى قصة أنه ذات يوم كان هناك امرأتان إحداهما أكبر من الأخرى وبيد كل منهما رضيع، وفجأة هاجمهما الذئب وأخذ رضيع الكبرى، حينها قالت المرأة الكبرى للصغرى وقد صعقت مما حدث؛ "لقد خطف الذئب ابنك"، فردت الصغرى باعتراض شديد؛ "لا، بل خطف ابنك". وحينما زاد الخلاف بينهما دون حل احتكما إلى نبي الله سليمان، وبعد أن استمع إلى كلا المرأتين أمر بإحضار سكين قائلًا؛ "سأقسم الطفل بينكما". عندها صاحت المرأة الصغرى بذعر قائلة؛ "لا أرجو لا تفعل! الطفل للمرأة الكبرى أعطها إياه"، عندها فهم سليمان أن الطفل للصغرى وحكم لها به.

هذه هي القاعدة؛ إذا كان شيء ما يمثل جزءًا من حياتك، فإنك قد تكون مضطرًا للانفصال عنه كي تحافظ على بقائه على قيد الحياة.

واليوم تبدو هذه الحساسية مفقودة في اليمن، بينما تسعى كل من السعودية وإيران للحصول على مطالبهما المختلفة في اليمن، ينقسم الطفل إلى قسمين بينهما.

Whatsapp