تسببت الحرب السورية المستمرة منذ سنوات، والقصف المتكرر من قبل نظام الأسد وحلفائه، بتزايد ﺃﻋﺪﺍﺩ الأرامل في إدلب، وتواجه معظمهن ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺟﻤﺔ ﺗﻀﺎﻋﻒ من آﻻمهن ﻭﻫمومهن ﻭأحزانهن بعد ﻓقد ﺷﺮيك ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
وتعد ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻨﺴاء ﺍﻷﺭﺍﻣﻞ ﻓﻲ ﺇﺩﻟﺐ، بسبب فقد السند والمعيل وموجة الغلاء، وقلة ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕ الإغاثية، وشح فرص العمل.
أم صلاح (41 عاماً) من مدينة سراقب، فقدت زوجها بغارة حربية منذ عام 2019، ووقع على عاتقها تربية أبنائها السبعة، وعن ذلك تتحدث لإشراق بقولها: "قلما ﺗﺠﺪ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﺳواء ﻣﻦ ﺃﻗﺮباء ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻗﺮﺑﺎﺋﻬﺎ، ﻷﻥ الأوضاع العامة سيئة، والغلاءﺀ ﺍﻟﻔﺎﺣﺶ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﺘﺄﻣﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺠﻌﻞ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ ﻣﻬﻤﺸﺎﺕ ﻭﻣﻨﺴﻴﺎﺕ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻌﻮﻧﺎﺕ ﺍلإﻏﺎﺛﻴﺔ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ من ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ.
تضطر أم صلاح لإرسال اثنين من أبنائها، وهما بأعمار 14 -15 للعمل في مطعم، للاستفادة من الأجر اليومي الذي يحصلان عليه.
الكثير من النساء اللواتي فقدن السند والمعيل لم يستسلمن لواقعهن، وفضلن العمل بأجور زهيدة للإنفاق على أبنائهن، وعدم مد يد الحاجة والعوز للآخرين .
خديجة المحمد (35 عاماً) من مدينة إدلب، فقدت زوجها منذ خمس سنوات، تضطر للعمل في الورشات الزراعية للحصول على أجر يومي، بالكاد يكفيها مع ابنتها الوحيدة لتأمين قوت يومهم، وعن ذلك تقول: "أعمل مع حوالي عشرين امرأة أخرى في الزراعة، ويشمل عملنا التعشيب والقطاف والشتل والحصاد ."
وتبين المحمد أن عملها اليومي يبدأ من الصباح الباكر حتى المساء، مقابل أجر زهيد لا يتعدى 4500 ليرة سورية يومياً، ولكنها تبقى أفضل من لاشيء لأن "وضعها دون عمل سيكون أسوأ بكثير" بحسب تعبيرها .
أما أم سليم (40 عاماً) من بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، فقد أسست عملها الخاص بعد وفاة زوجها، وهو عبارة عن صناعة الألبان والأجبان بمساعدة بناتها داخل المنزل، وعن ذلك تقول: "الجلوس وانتظار الهبات والصدقات لا يجدي ولا يغني من جوع، لذلك قمت بتأسيس عملي الخاص، حيث أجمع كميات كافية من الحليب من البلدة صباحاً، وأقوم مع بناتي الثلاثة بصناعة الألبان والأجبان، وأقوم بتسويقها في السوق المحلي، بمساعدة ابني الذي يعمل في محل بقالة ."
وتبين أم سليم أنها تكسب من عملها مردوداً جيداً، يساعدها مع أبنائها على العيش بكرامة .
كما تواجه المرأة الأرملة الأعراف المجتمعية التي تنتقدها في حال الخروج المتكرر من المنزل للعمل، ويرصد تحركاتها وفقاً لعادات وتقاليد بالية لا ترحم، وقد تتعرض لتحكم العائلة ويتم التضييق عليها ومنعها من العمل، كذلك يستغل أصحاب الورش والمعامل ظروفها الصعبة، وقد تجبر على الزواج من رجل يحمل عنها مسؤولية تربية أبنائها .
ملك الأصلان(29 عاماً) من بلدة البارة بريف إدلب الغربي، وقعت في مشاكل وخلافات مع أهل زوجها نتيجة رفضها الزواج من أخ زوجها، وعن ذلك تقول: "نذرت حياتي لتربية أطفالي الثلاثة، ولن أحرمهم من حنان الأم بعد أن أصبحوا أيتام الأب ."
وتشير إلى أن أحد أخوة زوجها طلبها للزواج بهدف تربية أولاد أخيه، لكنها رفضت عرضه، وهو ما أوقعها بخلافات عديدة مع أهلها الذين يصرون عليها للموافقة، وأهل زوجها الذين يهددون بأخذ الأولاد حتى لا يعيشوا بعيدين عن أنظارهم ."
كذلك سماح (25 عاماً)نازحة من معرة النعمان إلى مخيم في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا شمال سورية، تشعر بأنها تعيش داخل سجن، وخاصة بعد أن منعها أهلها من العمل بحجة أنها أصبحت "صيد سهل" في المجتمع، وعن ذلك تقول: "فقدت زوجي منذ سنتين في سجون النظام، وحظيت بفرصة عمل في عيادة طبية للإنفاق على طفليّ، لكن أهلي عارضوا بشدة، حتى لا يصبحوا حديث الناس في المجتمع ."
وتبين أن أهلها يصرون على تزويجها من أول خاطب لها ليتخلصوا من نفقاتها وأعبائها، وعن ذلك تقول: "لا يحق للأرملة في مجتمعنا أن تقرر مصيرها، وعلى الجميع التدخل بكل تفاصيل حياتها، بدلاً من الوقوف إلى جانبها وتقديم الدعم والمساندة لتربي أبناءها بكرامة ."
وتؤكد سماح أن معاناة النساء الأرامل تزداد مع قسوة النزوح، ليكن في مواجهة أعباء جديدة تتمثل بفقدان منازلهن، ومصادر أرزاقهن، وضرورة تأمين المأوى والسكن الآمن .
بحسب إحصائية لفريق منسقو الاستجابة العامل في الشمال السوري فقد بلغ عدد الأرامل في مناطق شمال غربي سورية، 46892 أرملة حتى أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وتشهد أعدادهن ارتفاعاً ملحوظاً جراء حملات التصعيد المستمرة للنظام وروسيا على الشمال السوري.
تواجه أرامل الحرب مصائرهن وحيدات في ظل ظروف مأساوية في غاية التعقيد، حيث يبدأ صراع الأرملة مع الأهل والأقارب والمجتمع، ولا يكاد ينتهي مع كيفية الحصول على لقمة العيش التي تكفيها العوز والحاجة، ليجدن أنفسهن في مهبّ الريح مع أطفال أيتام، يواجهن صعوبة الحصول على متطلبات الحياة في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد لا ترحم.
سونيا العلي
كاتبة وصحافية سورية