لا يوجد اسم يطلق على الجولة الأخيرة من أستانا إلا هذا الاسم، فقد حضر الجميع وغاب صاحب المصلحة الشعب السوري الذي لم ير يومًا أي مصلحة له في هذه الاجتماعات والتي تجمع "الدول الضامنة ــــــــــــــ روسيا وإيران وتركيا مع ممثلي النظام السوري وبعض الفصائل المسلحة في سورية بالإضافة إلى بيدرسون مندوب الأمم المتحدة إلى سورية" ، مع مراقبين من شتى أصقاع العالم كشهود ليس لهم حق التقرير، ومن الواضح أن دور إيران في هذه الجلسة كان أشبه بالمراقب، وكما يوضح البيان الختامي الذي جاء في معظمه نسخة طبق الأصل عن البيانات السابقة ،أن المحادثات كانت بين الروس وتركيا من أجل منطقة خفض التصعيد الوحيدة الباقية من المناطق الأربعة شمال غرب سورية حيث لم يتوصلوا فيها إلى هدنة أو وقف إطلاق نار دائم، بل جددوا الاتفاقات السابقة بالتهدئة وبالحفاظ على الوضع الراهن، وحتى هذا الوضع لا يلتزم به الروس ولا النظام فالقصف والقضم مستمر، بينما تخرج مصادر روسية بعد الاجتماع لتحمل تركية مسؤولية الفشل في إنجاز ما اتفق عليه.
يعرف الروس تمامًا أن أي تقدم في عمل اللجنة الدستورية سيغير النظام ومرتكزاته إلى الأبد لذلك لا يرغبون بأي تقدم فيها حتى لا تضيع الإنجازات التي أنجزوها بتثبيت ركائز النظام ضد أهداف ومصالح الشعب السوري، وإنجازاتهم الشخصية بالاستحواذ على المقدرات الاقتصادية السورية الآنية والمستقبلية، ومن هنا جاء اجتماعهم مع ما يسمى بالمعارضة في أستانا خشية أي إنجاز بهذا المجال ليعطوهم حقن المورفين المخدرة كدأبهم منذ انطلاق الثورة السورية.
إلا أنه كان لافتًا للنظر تصريح بيدرسون عن عمل اللجنة الدستورية، فقد حمل لأول مرة نظام دمشق مسؤولية عرقلة عمل اللجنة الدستورية وأضاف بأن عدم التقدم بعمل هذه اللجنة سيؤدي إلى العمل والبحث عن مقاربات جديدة، وقد جاء تصريح مسؤولة المفوضية الأوربية لأول مرة مطابقًا لما قاله بيدرسون، بأن سورية لم تعد على سلم الأولويات لدى المجموعة الدولية، والسبب هو عرقلة النظام السوري للحل السياسي عبر اللجنة الدستورية، وجددت المفوضية التأكيد على عدم الدخول في أي عملية إعادة إعمار دون انخراط نظام دمشق بعملية سياسية جدية تفضي إلى انتقال سياسي حقيقي حسب القرار الأممي رقم 2254.فإذا كانت روسيا التي تقول إنها تريد التقدم بعمل اللجنة الدستورية وتنصح النظام بذلك، فلابد من سلوك جديد لعمل اللجنة بعد أن دق النظام الإسفين الأخير في نعش هذه اللجنة بعد الفشل لسنة ونصف وخمس اجتماعات متتالية.
يخشى النظام المتهالك في دمشق من أن دستورًا جديد سيكون مختلفًا عن دساتير السابقة التي لم يحترمها في أي يوم، فهنا الآن من يراقب ويتابع بعد أن دولت المسألة السورية وخرجت من يده وحتى من يد حلفائه في موسكو وطهران، وسيختفي هذا النظام بشكله الحالي طال الزمن أم قصر. وإذا كان النظام بدأ عامه الماضي وسعر العملة السورية 900 ليرة مقابل كل دولار ها هو يخرج منها بسعر3500 ليرة للدولار الواحد، فماذا ينتظرنا مع هذا النظام إذا بقي لعام آخر.
منظمات الأمم المتحدة الإغاثية في تقريرها الأخير قالت أن 60 بالمئة من الشعب السوري جائع وأن 12 مليون جلهم من النازحين في سورية لا يجدون الطعام الكافي والنظام يعلن عن عجزه علنًا عن إيجاد أي حل إلاّ أن يوقفوا برامج الطبخ من القنوات التلفزيونية، وكأن السوريين يتابعون قنواته الممجوجة والمنفصلة عن الواقع.
لقد اغتصب نظام البعث الحكم في سورية وهي من الدول المنتجة والمصدرة فقد كانت تصدر القطن والقمح وكانت شركات الغزل والنسيج تصنع ما يكفي الاستهلاك المحلي وفوائض تصديرية، وهذا في أكثر المجالات فسورية لم تكن تستورد إلا بعض لوازم الإنتاج، وفي عهد ثورته الكارثية لم ينهب الحكم ورجاله أموال سورية ويضعها في الخارج، بل دمر وعن قصد بنية البلد الصناعية والزراعية، فأفقر الشعب والدولة التي أصبحت تحتاج عقودًا لإعادة بنيتها التحية واقتصادها الزراعي والصناعي.
لنعمل جميعًا، من يهمه مصلحة الوطن ومن يرى في سورية وطنًا لجميع أبنائها، على عدم التجديد لهذا النظام القاتل والذي هدم ما بناه الشعب السوري لعقود طويلة ـولتبدأ مرحلة إعادة البناء والعودة لمن هجروا قسريًا إلى وطنهم، وإن المستقبل للعاملين عليه والمتطلعين للغد المشرق.
محمد عمر كرداس
كاتب سوري