أعرف أنه ليس أكره على النفس من الحديث المعاد، وأحفظ أيضا الآية الكريمة: (فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين). وحديثنا عن سورية الثورة، ثورة آذار/مارس المستمرة، وليست ما يسمى ثورة 8 آذار المسلوبة من الشعب عام 1963،حديثنا عن ثورتنا المستمرة منذ 18 آذار/مارس 2011،والتي تمر اليوم ذكرى آخر وقفة احتجاجية أمام وزارة الداخلية في دمشق قبل اندلاع الثورة وشرارتها الأولى في درعا ليس ذكريات، بل حديث راهن لاستمرار الثورة ولأنها مازالت بشكل أو بآخر، وكما وصفها صديقنا الذي غاب عنا حديثا الدكتور حسان عباس والذي هزمه المرض اللعين أخيرًا بعد معاناة طويلة وصمود، حيث قال : { سموها ما شئتم انتقدوها كما احببتم اخدعوها راودوها تحايلوا عليها احفروا الأرض تحت أقدامها لونوها العنوها افعلوا ما شئتم فهي وبمحاكاة ما قاله غاليلو غاليليه لمرهبيه، ومع ذلك هي تثور هي باقية لم تبدأ إلاّ لتبقى حتى تصل إلى ما يريده أهلها" حياة كريمة بلا ظلم ولا ظلامية}. وكما قال المفكر صادق جلال العظم: {إسلامية أو عًلمانية ديمقراطية ليبرالية أنا معها لأنها ثورة شعب لأول مرة في تاريخنا ضد الظلم والقهر والاستلاب وضد النهب والفساد والارتهان للخارج المعادي}.
لم تبدأ الثورة السورية في 18 آذار/مارس 2011، فقد رفض الشعب الثوري حكم البعث من بداياته عام 63 بأشكال مختلفة، فمن إضرابات أيام مصادرة الحرس البعثي المسمى قومي لمحلات المواطنين وأموالهم في الأسواق والبيوت والمزارع إلى ثورة المناضل جاسم علوان المسلحة ضد اغتصاب البعث للسلطة، إلى الاحتجاجات عام 64 التي شهدت ملاحقة جنود البعث للمواطنين وقتلهم واعتقالهم داخل الجامع الأموي في دمشق بقيادة سليم حاطوم وأمين الحافظ وغيرهم من قادة انقلاب البعث على 8 آذار. ولا ننسى نصيب حماة في نفس التاريخ من العسف والظلم والقتل والاعتقال.
بعد عام 70 وما سمي بالحركة التصحيحية ،تجلى الرفض في احتجاجات واسعة في عيد المولد النبوى عام 72 نتيجة الاستفزاز من جانب مخابرات البعث وجلاوزة أمنه، في كل من حمص وحماة، لتبدأ بعدها المواجهات المسلحة بعد عام 75 بين المسلحين من التيار الإسلامي والنظام، لتتبلور في عام 80 حركة احتجاجية واسعة شارك بها التجمع الوطني الديمقراطي المؤسس حديثًا والذي ضم الأحزاب الوطنية المعارضة سلميًا، والتي دعت إلى التغيير الوطني الديمقراطي ضم مطالب ضمنها بيانه الأول والذي تعرض بعدها لحملة اعتقالات واسعة طالت قياداته وقواعده استمرت أكثر من خمسة عشر عامًا.
من الغريب أن هذا البيان وتلك المطالب من قبل التجمع رفضت من الطرفين، فخرجت علينا نشرة النذير الناطقة بلسان الجماعات المسلحة لتقول لنا عودوا إلى جحوركم فالمعركة بيننا {أي المسلحين} وبين النظام، وكانت النتيجة أن انتهت هذه المواجهات لصالح النظام بتدمير مدينة وقتل واعتقال أكثر من سبعين ألف غالبيتهم من عنصر الشباب.
تاريخ البعث في سورية هو تاريخ الظلم والنهب والقتل والتشريد ولو لم يكن هذا النظام مستمر بأوامر دولية ودعم إقليمي وعالمي، لم يكن ليستطيع البقاء وحكم سورية وتوريثها ضمن عائلة واحدة، لكن يبدو أن النظام العالمي الذي يكيل بأكثر من مكيال بحاجة لهذا النظام الذي ضمن له الاستقرار على جبهة الجولان ومد يده القذرة لأنبل ظواهر الأمة وهي المقاومة الفلسطينية ليضعفها ويشتتها ليمهد لما جرى بعدها في أوسلو ووادي عربة من استسلام وتفريط.
إن انطلاق الثورة السورية في 18 آذار/مارس ضمن ثورات ما سمي بالربيع العربي في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن، وما تبعها في السودان ولبنان والعراق /كان شاهدًا على أن أنظمة الحكم العربية في هذه البلدان تعيش خارج التاريخ تحكم شعوبها بالحديد والنار وتنهب الثروات وتفقر الشعب وحتى تلك التي نجحت في تغيير الطبقة العليا من الحكام في مصر والسودان وتونس لم تصل إلى أهدافها ،فتغيير رأس النظام وبقاء الدولة العميقة في العوالم السفلية تجهض منجزات هذه الثورات بالاشتراك مع قوى إقليمية وعالمية نافذة تخطط وتعمل لأجندة مغايرة لمصلحة هذه البلدان وشعوبها، والشرق الأوسط الجديد الذي بشر به مفكرو الغرب وأطره في كتاب شيمون بيرس رئيس الكيان الصهيوني الأسبق، نرى نذره الواضحة اليوم، فبعد خراب ليبيا واليمن جاء وقت التقسيم، والسودان سبق الجميع بالتقسيم، وسورية ولبنان والعراق مازال الحكم النهائي من الإمبريالية العالمية والكيان الصهيوني لم يصدر بعد، والأدوات الصغيرة التي تلعب الآن في هذه الدول ليست إلا بيادق في رقعة الشطرنج تنتظر من يحركها لتستتب الأمور للراعي الأول.
محمد عمر كرداس