عندما بدأت شرارة ثورات الربيع العربي فإن قلة من المراقبين توقعوا أن تجتاح الرياح دمشق لمعرفة الجميع بالركود الشامل الذي طغى على الحياة السياسية السورية على امتداد خمسة عقود بين عامي 1963 و 2011 لا سيما في عهد آل الأسد وهم من وضعوا المجتمع السوري بكامل أطيافه تحت مراقبة الأجهزة المخابراتية وعقابها لمن يتمرد على الدولة الأسدية فسميت سورية ب ( مملكة الصمت ) لذا كان بشار الأسد مطمئناً لأبعد الحدود وواثقاً بأجهزته وسلطته لدرجة تأكيده قبل أيام من اندلاع الثورة السورية بأن الرياح لن تستطيع اختراق سورية لذا أتى رد السلطات عنيفاً ومتوحشاً في البدايات الأولى المبشرة بصحوة الشعب السوري، جربوا جميع أنواع العنف على المتظاهرين السلميين لإعطاء العبرة وليعلم الجميع مدى وحشية النظام السوري والتذكير بقبضته الحديدية .
تفجرت بعدها الثورة السورية في آذار/مارس عام 2011 لتبدأ من درعا وأطفال درعا الذين حملوا راية البداية حين كتبوا شعارات على جدران المدارس ضد النظام السوري منها
إجاك الدور يا دكتور) – و(الله سورية حرية وبس).)
توسعت بعدها شرارة الثورة إلى جميع أنحاء سورية وانتشرت بسرعة كبيرة لتشمل البلاد كلها خرجت سورية بكاملها لتقول للأسد مطالبها وهي الحرية والكرامة والعدالة للسوريين كلهم دون تمييز بينهم فلم يكتف النظام السوري آنذاك بالعنف الممنهج والمتبع نحو المتظاهرين. وكانت الاعتقالات بالآلاف بل استخدم النظام كامل قوته على جميع الاتجاهات استخدم فيها جميع مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات وجميع منابره الإعلامية وأجهزته من أجل التحريض الطائفي في وجه المتظاهرين والناشطين من الشباب السوري الثائر وتشويه سمعتهم والتشكيك بولائهم إلى سورية واتهامهم بالإرهاب والطائفية وبأنهم غير مستعدين ومؤهلين إلى الحرية والديمقراطية.
استمرت المظاهرات بعدها لتشمل حمص وحماة وحلب ودمشق ترافق بعدها تعاظم التظاهرات وشعاراتها مع تعاظم القمع والدم فمن شعارات المطالبة بالحرية والكرامة إلى شعار الشعب يريد إسقاط النظام، استمرت بعدها الثورة السورية ستة أشهر كاملة سلمية تحمل شعارات مدنية ومطالب مستحقة بالحرية والعدالة والكرامة الانسانية لتبدأ بعدها سلسلة الانشقاقات عن الجيش السوري وتشكيل الجيش السوري الحر بقيادة أول ضابط منشق وهو المقدم حسين هرموش وتحويل مسار الثورة السورية من سلمية إلى عسكرية.
عشر سنوات مضت حول فيها الأسد سورية إلى دولة متوحشة أرضها وسماءها مستباحة لتصفية الصراعات الدولية فاستعان في البداية في إيران وحزب الله عام 2013 حيث جاؤوا بدعم مادي وعسكري وبشري من ميلشيات طائفية فشلت إيران وحزب الله بعدها في مساندة الأسد فطلب من روسيا التدخل السريع لإنقاذه وإنقاذ نظامه من السقوط فتدخلت روسيا عام 2015 لحمايته لكن بحجة محاربة الإرهاب على الأراضي السورية.
التدخل الروسي هو الذي حول مسار المعادلة السورية فاستعادت روسيا غالبية المناطق السورية بعد فقدان سيطرة النظام السوري عليها لأكثر من 5 أعوام وفي عام 2019 أجبرت روسيا النظام السوري على اتخاذ المسار التفاوضي مع المعارضة السورية عبر محادثات سوتشي وفي عام 2019 وقع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قانون قيصر لحماية المدنيين الذين تعرضوا للتعذيب في السجون السورية.
عشر سنوات مضت هجر غالبية الشعب السوري خارج وطنه وقتل ما يقارب المليون شهيد مع انهيار كبير للبنى التحتية في سورية وخراب معظم البلدات والقرى.
عشر سنوات مضت انهار الاقتصاد السوري والليرة السورية ووصلت إلى أرقام لم تصل لها لا في تاريخها الحديث ولا القديم إذ وصل سعر الدولار الواحد ما يعادل أربعة آلاف ليرة سورية مع أزمات لا تنتهي تواجه المواطن السوري من أزمة خبز إلى كهرباء إلى انعدام المحروقات مع تصنيف سورية البلد الأول من حيث الأسوأ عالمياً ولا يمكن العيش فيه.
عشر سنوات وإلى يومنا هذا تستمر المظاهرات في الداخل السوري والمطالبة برحيل بشار الأسد عن السلطة. عشر سنوات ولم يرضخ الشعب السوري للظلم والاستبداد وهنا يكمن الأمل فكل المتغيرات التي حدثت والفشل الدولي في إيجاد حل سياسي خاصةً بعد فشل اللجنة الدستورية في صياغة دستور للبلاد وتعطيل النظام السوري عمل اللجنة ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية السورية كل هذا يعطي السوريين أملاً بالتغيير ولو أملاً ضئيلاً بالخلاص من الظلم والقهر الذي عاشه الشعب السوري الذي دفع الكثير من الدماء لنيل حريته والعيش بكرامة.
عشر سنوات مضت ولم يستطع النظام السوري ولا حلفائه من إعلان النصر الكامل على هذا الشعب الصامد إلى الآن ويبقى السؤال هل ستنتهي معاناة السوريين بعد عشر سنوات من التضحية؟؟
ربما الأيام القادمة ستحمل لنا بعض الإجابات لكن الأكيد بأن التغيير القادم لأن إرادة الشعوب لا تقهر حتى ولو بعد مئة عام آمال وتطلعات كبيرة معلقة لهذا العام للشعب الذي مازال يعاني إلى يومنا هذا الشعب السوري العظيم الذي قدم أروع البطولات وما زال يقدم في سبيل تحقيق حلمه في بناء دولة ديمقراطية تسودها الحرية والكرامة تحترم حقوق مواطنيها دون تمييز أو عنصرية.
آلاء العابد
كاتبة سورية