قصتان 



غفلة محارب

  1.  

انتهى القتال وبقي وحيداً ملقى في هذا المكان الغريب عليه.

إنه بطل فهو الناجي الوحيد، ولابدَّ أنه سيكرم بحفاوة عندما يعود إلى مدينته. فكَّر، بحث عن النور لم يجده فعيناه متورمتان لا يستطيع فتحهما، حاول النهوض فخانه جسده المحطم من أثر المعركة الأخيرة التي استنزفته تماماً.

بحث بيديه حوله عن أي شيء يمكن أن يتكئ عليه ليقوم، بغبطة ملأت قلبه صاح: 

  • وجدته هذا الرمح سيكون عكازتي وحمايتي.

 نهض ومشى حتى سمع صوت مياه تجري فهرع يشرب منها بنهم ليروي عطشه، وهو يشرب شعر بشيء ما يتحرك حوله لعلها دابة ما!!، قال في نفسه:

  •  سأضربها برمحي وأجعلها وليمتي بعد هذا التعب.

 اصطاد فريسته وبدأ يأكلها، كان مذاقها كريهاً حقاً، ولكن جوعه كان أكثر كرهاً، لذا انهاها، وأرخى جسده إلى جذع شجرة ونام.

بعد ساعات استيقظ، اخيراً! استطاع فتح عينيه قليلا، لتستقبله أولى الصدمات:

  •  يا إلهي أنا لست في الغابة!!؟؟ 

بحث حوله عن رمحه فلم يجد إلا عصا متآكلة لم تكن لتحميه من أرنب لو هاجمه.

 آلمه ظهره بشدة فمدَّ يده لتغرس الأشواك فيها، لم يكن جذع شجرة ما استند إليه، بل صبارة زينة ملقاة هنا، وفريسته التي اصطادها لم تكن إلا جرذاً هزيلاً مقرفاً.

 شعر بالغثيان وقام يبحث عن جدول المياه الذي شرب منه أمس ليجد أمامه قناة تصريف صحي.

بدأ يجري محاولاً الابتعاد عن هذا الواقع المقزز الذي استيقظ عليه بعد أن انزاحت الغشاوة عن عينيه.

 وجد رجلاً في طريقه فسأله عن مصير الجنود بعد المعركة الأخيرة! 

  • أي معركة؟ أم أنك تقصد الاقتتال الذي حصل على حدود المدينة ... لقد مات جميع الجنود وألقيت جثثهم مع النفايات فهم أدوات ليس إلا.

أما الأوسمة والتكريم فكانت كالعادة من نصيب جنرالات الحرب الذين لم يروا ساحة المعركة في حياتهم.

 انهمرت دموع الجندي المسكين، فرمقه الرجل باشمئزاز وتمتم هل هذه طريقة جديدة للتسول؟!!

ثم كَّرم البطل بصفعة على قفاه مع شتيمة ورحل.

  1. لست ملاكاً

  • أهلاً يا صديقي لم أتوقع مجيئك اليوم، فمعروف عنك أنك لست من محبي المقاهي وتضييع الوقت، أتعلم أنا أحسدك على رزانتك ومبادئك هذه.

* لا يا صاحبي الأمر ليس الخشية على وقتي الثمين، فأنا لا أخترع الذرة ضمن هذا الوقت الذي أوفره في النهاية، لكن الخروج والجلوس في القهوة ليستا بهذه الأهمية لدي لا أكثر.

  •  كف عن التواضع يا صديقي فأنا أعرفك وأرى من تصرفاتك وتعاملك مع الجميع أنك شخص طيب نقي القلب، حقاً أمثالك باتوا نادرين، فمثلاً صديقنا الواضح كما يلقب نفسه خطب وتزوج 

وحصل على ترقية في وظيفته ولم يخبرنا بشيء وسمعنا عنه كالغرباء، جميعنا غضبنا منه وشاجرناه إلا أنت لم تغضب ولم تعتب.

* يا صاحبي؛ لم أغضب هذا صحيح لكن ليس لأني طيب، لم يهمني ما فعل فقط، هذا كل ما في الأمر.

-  حسناً يا صديقي ربما بهذا الخصوص كنت كذلك، لكن ماذا عن تلك الشقراء، لقد جعلت تشويه سمعتك والنميمة عليك شغلها الشاغل، ومع هذا لم تكلمها ولا حتى كرهتها أليس هذا دليل على صفاء نيتك؟!

* صاحبي، الكره كلمة كبيرة جداً وهو في النهاية مشاعر، القصة ليست بصفاء نيتي، بل أن هذه الإنسانة وآراء من تحدثهم عني ليسوا باعتباري من الأساس، لا يهموني حقاً.

- وماذا عن ذوي الوجه والوجه الآخر، العديد منهم حاول أذيتك والتقليل من شأنك بشكل أو بآخر، ومع هذا لا أراك قد حقدت عليهم، بل وحتى تتمنى لهم الخير في حياتهم.

* قد يبدو كذلك لكن، الحقيقة أني لا أتمنى لهم الشر ولا الخير حتى، أنا لا أتمنى لهم شيئاً، لأني لم أر أنهم يستحقون أن يشغلوا أي حيز في أفكاري.

-  غير صحيح يا صديقي أنسيت...

* آسف يا صاحبي لكن عليَّ أن أقاطعك، إسمع؛ سأعطيك الخلاصة حتى أريحك وأرتاح، أنا لست ملاكاً، أنا فقط لا أهتم.

 

رسيل فؤاد

طبيبة وكاتبة سورية

Whatsapp