جمال خاشقجي 


 

قوبل التقرير الاستخباراتي الذي نشرته السلطات الأمريكية الأسبوع الماضي، بردود فعل غاضبة من قبل السعودية، كما كان متوقعًا. ويبدو أن الرياض قد أعدت خط عمل في سياق الرد على الولايات المتحدة، ترتكز على 3 ركائز؛ دبلوماسية واستخباراتية ودينية.

في الخطوة الأولى، نفت السعودية تلك الاتهامات الواردة في التقرير والموجهة ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك ضمن بيان للخارجية السعودية استنكرت فيه ما ورد في التقرير بشكل حاد. وفي الوقت ذاته ركزت الخارجية في بيانها على "ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية".

ومع تزامن رسائل تهنئة بن سلمان بتماثله للشفاء ونجاح عملية جراحية أجراها، صدرت رسائل من عدة دول عربية تتضامن مع السعودية، في محاولة لخلق انطباع مفاده؛ "أن العالم العربي يقف وراء الرياض كجسد واحد".

ثانيًا، وعلى صعيد آخر، تم دفع بندر بن سلطان نحو الساحة، وهو المعروف بقربه وعلاقاته الوثيقة بالجناح الجمهوري، وقربه من عائلة بوش على وجه الخصوص أيضًا.وفي مقال مطول له تحت عنوان "تقييم التقرير"، دافع الأمير بندر عن محمد بن سلمان، وذكّر الإدارة الأمريكية ببعض الأمثلة من التاريخ الحديث، والمرحلة التي شغل فيها منصب سفير الرياض في واشنطن بين عامي 1983 حتى 2005.

وتساءل الأمير خلال مقاله؛ "عقب غزو العراق، تمت ممارسة التعذيب والتنكيل المقيب في سجن أبو غريب قرب بغداد، وبعلم من بعض من كان داخل البيت الأبيض آنذاك، لكن هل يمكن أن نقول بأن الرئيس بوش أم مساعديه كان المسؤول المباشر عما حدث آنذاك؟" يسأل الأمير نفسه ليجب نفسه قائلًا؛ "بالطبع لا، لكن بما أنهم كانوا على رأس السلطة، وجب عليهم تحمل مسؤولية ذلك الحادث بشكل معنوي".

ثم عرج الأمير بندر على قضية مقتل خاشقجي ليقول؛ "إن طريقة تعامل السعودية مع هذا الحادث الرهيب تعتبر نموذجًا للعالم. ولقد أعلن ولي العهد مسؤولته عن ذلك بشفافية. وتم تقديم المسؤولين عن ذلك أمام المحكمة وتمت معاقبتهم".

إن الأمير بندر بن سلطان الذي شغل أيضًا منصب رئيس الاستخبارات السعودية بين عامي 2012 و2014، يعلم جيدًا كيف يعمل النظام الدولي، لقد قالها بوضوح؛ "الولايات المتحدة فعلت الشيء ذاته، لماذا علينا أن نكون نحن المذنبين؟".

عندام تريد الممكلة العربية السعودية مخاطبة دوائر الاستخبارات العالمية بأسلوب مختلف، فإنها تدفع نحو الساحة أيضًا اسمًا آخر، الأمر تركي الفيصل على سبيل المثال. الأمير تركي الذي يقوم بانتقاد إسرائيل حين الحديث عن القضية الفلطسينية، يخاطب العالم العربي والإسلامي بوضوح، ويخطب بهم في ردود الفعل "المعادية لإسرائيل"، وبالطبع لا يغيب عنه استثمار المكانة الإيجابية التي يتمتع بها أبوه الملك فيصل في عيون الشعوب. وسيتذكر قرائي جيدًا مقالي الذي نشر هنا يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، حول دور الأمير تركي.

بما أننا فتحنا الحديث حول الملك فيصل، من الجيد أن نسلط الضوء على هذه الروابط العجيبة: الأمير بندر هو ابن ولي العهد السعودي السابق سلطان بن عبد العزيز (توفي عام 2011)، متزوج من هيفاء بنت الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز. هناك ابن آخر للملك فيصل، ألا وهو خالد بن فيصل بن عبد العزيز أمير مكة حتى الآن، كان قد أرسله ولي العهد السعودي لأنقرة عقب جريمة خاشقجي من أجل إقناع تركيا. وحينما لم يفلح الأمير بإقناع تركيا بالتستر على الجريمة وغض الطرف عنها، أعلن حينما عاد لبلاده قائلًا؛ " من الصعب التغلب على هذا الأمر"، ومنذ ذلك الوقت بات من الواضح أن أولاد الملك فيصل هم اليوم على خط مختلف تمامًا، عن الخط الذي كان عليه الملك فيصل والذي استطاع كسب تعاطف كبير من قبل الشعوب المسلمة).

وأخيرًا، في الخطوة الثالثة نجد أن رجال الدين دخلوا هم أيضًا على هذا الخط. حيث نجد مثلًا الواعظ السعودي الشهير عائض القرني المعروف في جميع أنحاء العالم، والذي يتابعه قرابة عشرين مليون على سحابه في تويتر، قد مدح محمد بن سلمان حتى أوصله حد السماء كما يقال.

لقد قال القرني؛ "أعداد المملكة العربية السعودية العظيمة يجهلون مكانة محمد بن سلمان في قلوب الناس. كلنا محمد بن سلمان!”، وختم مديحه بهذه الجملةا؛ "لا نامب أعين الجبناء". طبعا هذه الجملة يعرفها جيدًا من قرأ التاريخ الإسلامي بعمق، لقد قالها خالد بن الوليد ضد أعداء الإسلام. ما يعني أنه من الواضح المكانة التي يضع فيها القرني محمدَ بن سلمان.

هناك شيء واحد في الحقيقة يشجّع السعوديين على اتخاذ مثل هذا الهجوم من جميع الجهات والأطرتف، ألا وهو ضمان أن الإدارة الأمريكية لن تقوم بفرض عقوبات مباشرة على شخص محمد بن سلمان.

وفي الواقع، بات واضحًا أن البيت الأبيض يبكي على خاشقجي دموع التماسيح، حينما اعتبرت إدارة بادين أن فرض عقوبات على زعماء حلفاء للولايات المتحدة أمر غير ممكن.

 

 

Whatsapp