إن مراعاة مصر للجرف القاري التركي خلال قيامها مؤخرًا بأعمال التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط، قوبلت بردة فعل رضا من قبل أنقرة، بقدر ما كانت ردة فعل مرتبكة من قبل أثينا.
إن هذا يعني أن مصر تنظر باحترام للاتفاقية التي عقدت بين تركيا وليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
ولقد كان هذا الاحترام من الجانب المصري السبب الرئيسي وراء حالة الارتباك أو الفزع التي اعترت العاصمة اليونانية أثينا.
من جانب تركيا، كان وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، أول من علق على هذا التطور الإيجابي معبّرًا عن ترحيبه بهذه الخطوة المصرية. حيث قال تشاووش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الجورجي في أنقرة؛ "وأضاف “كدولتين تملكان أطول ساحلين في شرق المتوسط، إذا سمحت ظروف العلاقات بيننا، يمكننا كذلك التفاوض على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر وتوقيعه".
ولم يمض وقت طويل حتى صدر بيان ملفت للنظر والاهتمام بشكل كبير، من قبل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الذي أشار إلى القيم التاريخية والثقافية المشتركة بين تركيا ومصر، ثم قال عبارة في غاية الأهمية؛ "قد تجري تطورات مختلفة في الأيام المقبلة".
مسؤول تركي رفيع: لم يتم تحديد شيء حتى الآن
نتذكر جيدًا أن مصر حينما قامت بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية فيما بينها وبين اليونان العام الماضي 2020، أبدت احترامًا للحدود الجنوبية للجرف القاري التركي، ورفضت ترسيم الحدود من جزيرة ميس.
ويمكن اعتبار التطور الأخير الذي قامت به مصر مؤخرًا، الخطوة الإيجابية الثانية ضمن هذا المسار.
عند معاينة هذا الموضوع، حاولت جس نبض بعض الدوائر المعنية بهذه المسألة عن قرب في أنقرة. وطرحت على بعض المسؤولين رفيعي المستوى؛ سؤالين؛ "هل يمكن القول أننا اتفقنا مع مصر؟ وهل يمكن أن نتوقع تطورات جديدة في ملف شرق المتوسط خلال الأيام القادمة؟".
ولقد حصلت على هذا الجواب؛ "لقد جرت هناك محادثات فنية بالفعل، ولا شك أن التطورات الأخيرة كانت بمثابة رسالة ترحيب. وبدورنا أوضحنا مرارًا أننا مستعدون لتوقيع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع دول المنطقة بما فيها مصر".
وأود أن أنقل لكم إجابة مسؤول آخر ممّن يعنون بشكل كبير بهذا الملف، تحدث بلغة حذرة إلى حد ما، حيث قال؛ "إلى الآن لا يمكن القطع بشيء، ولا تزال المحادثات مستمرة".
الجميع يعلم أن هناك محادثات تجري منذ وقت بين جهازي استخبارات البلدين. لكن حتى الآن لم تتضح بعد النتائج التي يمكن ان تتمخض عن هذه المحادثات السرية، وفيما إذا كانت ستُتخذ خطوات على صعيد تطبيع العلاقات بين البلدين.
على صعيد آخر، علينا أن نتذكر جيدًا أن إدارة السيسي في مصر منفتحة دائمًا على ما تمليه عليها بعض الدول على رأسها دولة الإمارات، وبمعنى آخر؛ لو قالت هذه الدول كلمة "لا" فإن هذه الكلمة ستكون بمثابة قرار سيجعل من الصعب على إدارة السيسي أن تقول لا ضده.
ولذلك أرى أنه من المفيد توخي الحذر في الأمور المتعلقة بمسار العلاقات مع مصر، حين التعامل مع التطورات الأخيرة.
فزع اليونان وخيبة أمل قبرص الرومية
إن توتر العلاقات فيما بين تركيا ومصر عقب الانقلاب العسكري الذي حدث في الأخيرة عام 2013، تزامنًا مع توتر العلاقات بين تركيا وبعض دول الخليج في ذلك الوقت، جعل اليونان تتخذ من ذلك فرصة لتحقيق مطالبها المتطرفة في شرق المتوسط، واتخاذ العديد من الخطوات لتحويل هذا الوضع لصالحها.
وفي هذا السياق أقامت علاقات وثيقة مع كلّ من القاهرة وأبو ظبي، وجرة زيارات رفيعة المستوى بين هذه الأطراف.
إلا أن التطور الأخير من الجانب المصري جعل إدارة أثينا تعيش حالة ذعر حقيقية، ولا تدري ماذا تفعل وكيف تعلق.
لقد سارع رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميكوتاكيس لإجراء اتصال هاتفي مع السيسي، لثنيه عن قرار مصر حول تحديد حدود القطعة التنقيبية رقم 18 والتي راعت حدود الجرف القاري التي حددته تركيا ضمن اتفاقيتها مع ليبيا.
وبعد هذا الاتصال على الفور، تم إعداد جولة لوزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، حيث سيزور اليوم الإثنين القاهرة، ومنها إلى قبرص الرومية.
إن إحدى قضايا الخلاف بين مصر واليونان، هو مشروع "خط أنانيب غاز إيست-ميد"، الذي تم تطويره لنقل الثروة الجوفية لشرق المتوسط إلى أسواق أوروبا. وعلى الرغم من لقاء ميكوتاكيس بالسيسي، لم يتم التوصل لحل حتى الآن.
وإذا تحقق الرؤية المصرية حيال هذا المشروع، فستكون إدارة جنوب قبرص أي الرومية؛ مستبعدة أو خارج اللعبة تمامًا في شرق البحر المتوسط. وهذا الوضع بدوره يزعج القبارصة الروم بالطبع.
ويمكن أن نقول ان تحركات وزير الخراجية اليوناني ما بين القاهرة ونيقوسيا، سترمي إلى إيجاد حل وسط للخروج من الأزمة حول هذا الموضوع.
أما تركيا فهي تعلم جيدًا الفرصة من هذا النوع من الخلافات، ولذا تريد تخفيف حدة مشاكلها مع القاهرة على حساب تحقيق فائدة لصالحها في معادلة شرق المتوسط.
لكن كما حاولت أن أشرح أعلاه، أود أن أذكركم بأنه لا يزال هناك نوع من التعامل بحذر مع هذا الملف لدى الدوائر التي تتعامل معه عن قرب.
ولذلك نختم بالتأكيد على القول؛ بأن حاةل الارتباك اليونانية وإن كانت تدفع للسرور، إلا أنها في الوقت ذاته لا تعني أن النتائج النهائية لصالح أنقرة، لم يُحسم الأمر بعد.