أطفال ضحية العمالة المبكرة في إدلب


 

حين يحمل الأطفال حقائب الكتب للذهاب إلى مدارسهم، ويسعون بأمل لتحقيق أحلامهم وأهدافهم في الحياة، ينطلق الطفل سعد في الصباح الباكر إلى مكان عمله، ليجني بعض المال اللازم لتوفير لقمة العيش لأمه وأخوته الثلاثة.
الطفل سعد القدور(12 عاماً) من مدينة أريحا، هو أحد أطفال إدلب الذين أجبرتهم قسوة الحرب والفقر والغلاء وانخفاض مستوى الدخل، على التخلي عن طفولتهم ومستقبلهم، للتوجه نحو العمل بهدف تحصيل رزق أسرهم.
سعد ليس له من اسمه نصيب، حيث كبر قبل أوانه، وتحمل مسؤولية الإنفاق على أخوته بعد وفاة والده بغارة حربية منذ سنتين، وعن ذلك يتحدث لإشراق قائلاً: "تخليت عن التعليم بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي نمر بها، وباعتباري الابن الأكبر وجب علي العمل، حتى لا نمد أيدينا للناس ."
يبين أمجد أن والده قضى منذ سنتين نتيجة إصابته بشظايا قذيفة من قبل نظام الأسد على المدينة. ويشير الطفل إلى أنه يعمل في فرن، ويتقاضى مبلغ "5 ليرات تركية" بشكل يومي، إضافة لكيس من الخبز.

يشاطره المعاناة الأخوان وليد وسلوى الضبعان (9 -11 عاماً) من مدينة سرمين، حيث يضطران للعمل في القمامة لتحصيل حفنة من المال تسد الرمق، وعن ذلك تتحدث سلوى بالقول: "أصيب والدي منذ أكثر من ثلاث سنوات بشظية صاروخ بترت ساقيه، وأصبح عاجزاً عن العمل، لذلك أخرج مع أخي كل يوم إلى الحاويات والمكبات القريبة من مكان إقامتنا لجمع البلاستيك والحديد والعلب المعدنية والخبز اليابس، ثم نقوم ببيعها للحصول على مصروفنا اليومي ."
تشكو الطفلة من الروائح الكريهة أثناء العمل، وإصابتها بالسعال والأمراض بشكل مستمر، إلى جانب التعرض للجروح، بسبب لمس الأشياء الحادة المخفية بين أكوام القمامة. كذلك دفع النزوح الكثير من الأطفال في إدلب للعمل بسبب الفقر والغلاء، وحرمان الكثير من الأسر من مصادر أرزاقها ومنازلها.
يزن السلوم (10 سنوات) نزح مع أسرته من ريف معرة النعمان إلى مخيم عشوائي على أطراف مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، لكنه لم يلتحق بالمدرسة بعد النزوح بهدف مساعدة والده الذي يعمل بائعاً متجولاً وعن ذلك يقول: "كنا نزرع أرضنا ونعيش من خيراتها، وبعد النزوح بدأت بمساعدة والدي والسعي للحصول على لقمة العيش ."
يضيف السلوم متحدثاً عن قسوة العيش في الخيام: "الحياة هنا تختلف عن العيش في بلدتنا، فالخيمة صغيرة ومهترئة، بالكاد تتسع لأسرتنا المكونة من سبعة أشخاص، كما نضطر لنقل المياه من الخزانات الموزعة في أرجاء المخيم إلى الخيمة التي نقطن بها ."
يؤكد السلوم بأنه يتمنى إكمال تحصيله العلمي، ولكن القصف المتكرر وتراجع مستوى التعليم والنزوح والفقر، كلها أسباب اجتمعت لتبعده عن المدرسة.

ويكون الأطفال في ميادين العمل عرضة للاستغلال وقلة الأجور، فضلاً عن ممارسة أعمال خطرة وغير متناسبة مع أعمارهم وأجسادهم الغضة، منها تصليح السيارات ومتاجر الحديد وورش البناء ومستلزماته، فيتعرضون لمخاطر جسدية ونفسية وسوء معاملة أثناء عملهم، وقد يتجه البعض إلى التدخين، ويغلب على تصرفاتهم العدوانية، بسبب ما يعيشونه غالباً من سوء معاملة من قبل أقرانهم أو أرباب العمل.
اسماعيل البكري (13 عاماً) من مدينة إدلب، يعمل في ورشة حدادة، ويحصل على أجر زهيد لا يتناسب مع الجهد العضلي الذي يبذله، وعن ذلك يتحدث لإشراق بالقول: "أحصل على مبلغ 10 ليرات تركية أسبوعياً، ويقول صاحب الورشة أن الهدف هو تعلم المهنة، وعلي عدم المطالبة بأجر يومي، رغم صعوبة العمل واستمراره لساعات طويلة، فضلاً عن خطورة استخدام القطاعة والصاروخ، وآلة اللحام ." يشير البكري إلى أنه وافق مرغماً على هذا الأجر الزهيد بسبب قلة فرص العمل، والحاجة الماسة للمال.

المدرس محمد الصباغ (35 عاماً) من مدينة حارم يتحدث عن مخاطر عمالة الأطفال بالقول: "العمل يحرم الأطفال من أبسط حقوقهم، بسبب هيمنة الأوضاع المعيشية المتدهورة، والتعليم غير المنتظم، والنزوح والتهجير، إلى جانب الغلاء وتراجع قيمة الليرة السورية، وغياب القوانين والتشريعات التي تحد من انتشار الظاهرة." ويشير الصباغ إلى مخاطر وجود جيل جاهل مستقبلاً لا يعرف حتى كتابة اسمه، إلى جانب تأثير العمل على صحة الطفل ونموه بشكل سليم بسبب بعض الأعمال التي تتطلب جهداً كبيراً يفوق قدرتهم الجسدية بكثير.
ويؤكد الصباغ على ضرورة التوعية بمخاطر عمالة الأطفال، وإعادتهم للمدارس، وﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺑﻜﺎﻓﺔ ﺃﺷﻜﺎﻟﻪ لهم ﻓﻲ ﻇﻞ ﺗﻨﺎﻣﻲ ﺧﻄﺮ ﺍﺑﺘﻌﺎﺩﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ، وﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺗﻌﺮﺿﻬﻢ للعنف الاجتماعي المتزايد أو الاﻧﺤﺮﺍﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻳﺠﺮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﻗﻊ ﻻ يمكن ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ، ووقوعهم فريسة الصدمات النفسية التي يصعب علاجها.

 

 

سونيا العلي

كاتبة صحافية سورية

Whatsapp