منذ أيام أطلت الذكرى العاشرة للثورة السورية، وحتى لا تحضر الذكرى وتغيب الثورة، يجدر بنا إجراء مراجعة شاملة، وتحديد مكامن القوة والنجاح. لأن المراجعة والنقد تقوية وإصلاح، والثوار أولى به من أعداء الثورة، وإحدى أهم هذه المراجعات هو مدى إستطاعتنا تقديم تمثيل سياسي حقيقي للثورة. فبعد ثمان سنوات من بداية تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، يتحتم القيام بمراجعة لدوره وإنجازاته، والأهم الوقوف عند مدى إستطاعته المحافظة على تمثيله للحاضنة الشعبية للثورة، التي تربع خلال السنوات الماضية على منصة تمثيلها في المحافل الدولية، كممثل وحيد لعدة سنوات قبل أن تجبره التوازنات الدولية على مشاركة هياكل أخرى في إقتسام تمثيل الثورة، مع محافظته على الكتلة الأكبر في التمثيل.
ونتيجة لعدة دعوات لإعادة هيكلة الإئتلاف، ومحاولات تشكيل بديل عنه، وعقب الإستنكار الشعبي لعملية إختيار القيادة الجديدة له المتمثلة بتبادل المناصب بين رئيس الإئتلاف ورئيس هيئة التفاوض، تعهد الرئيس الجديد للإئتلاف بالعمل على إعادة ثقة الحاضنة الشعبية بتمثل أعضاء الإئتلاف لكوادر الثورة، ومحاولة إعادة هيكليته. وفي هذا السياق تم إلحاق العديد من الشخصيات بجسم الإئتلاف، وآخر هذه الشخصيات هم الأخوة التسعة الذين أصدرت لجنة العضوية في الإئتلاف أسماءهم كممثلين للقوى العسكرية.
وإن كان لهذا الكيان مبادئه الأساسية التي ينشرها على موقعه الرسمي ضمن مبوبة الرؤية السياسية له، والتي تقول ببناء الدولة المدنية التعددية الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة، هذه المواطنة التي يجب أن تعني في صلبها المساواة بين جميع أفراد الدولة دون الاعتماد على أي تمييز بينهم على أي أساس طائفي أو ديني أو عرقي، إلا أن عدد أعضائه المنتمين إلى بنى تقليدية على أساس ديني أو قومي أو عرقي يشكلون ما يقارب 43٪ من أعضائه، بينما تشكل القوى المدنية 57٪. إضافة لكون مكوناته عموماً لا تمثل بشكل حقيقي القوى التي من المفترض أن تمثلها، فتكتل الحراك الثوري الذي منهم رئيس الائتلاف نفسه، يكاد يكون ممثلوه هم أنفسهم منذ انطلاقة الثورة، بل إن معظم الحراك الثوري الحالي يرفع لافتات بشكل يكاد يكون يومياً، تعادي من يدعون تمثيلها.
يضاف إلى ذلك وجود أعضاء مجهولي الهوية الحقيقية، بحجة دواعي أمنية، وفي حين أن هذا الأمر كان يمكن تفهمه بداية الثورة، ولكن في وقت يوجد فيه الملايين من السوريين الذين ينادون بالشكل الصريح بمعارضتهم لعصابات النظام يكون من عدم المنطقي وجود ممثلين للثورة والمعارضة مجهولي الهوية. وأكثر ما يلفت الإنتباه هو وجود من تم تسميتهم "شخصية وطنية"، دون تحديد أو بيان ما هي المعايير التي تجعل من المرء شخصية وطنية متمايزة عن باقي الأعضاء، وإن الصفة تستدعي بالضرورة أن تلك الشخصيات قدمت شيئاً استثنائيا يجعل منها شخصيات أكثر وطنية من غيرها.
وإن كانت الخطوة الأخيرة تأتي بحسب تعبير البعض بهدف تجديد الدماء في هذا الجسم المترهل، في وقت توجه فيه الانتقادات بشدة إلى طبيعة اختيار الأعضاء وحقيقة التمثيل في هذا الكيان الذي ما زال يدعي تمثيل الثورة، بالرغم من كونه يتبع آليات عمل لا تختلف مطلقاً عما كرسته عصابات الأسد في توزيع المناصب والإمتيازات في مؤسسات الدولة السورية، بدءاً من نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، وصولاً إلى إستئثار المجموعة المسيطرة على القرار الحقيقي على الحصة الكبرى من جميع الإمتيازات والمناصب.
وإذا تجاوزنا الإئتلاف إلى “هيئة التفاوض” الكيان المستحدث الجديد الذي يفاوض ممثلي عصابات الأسد على الحل السياسي والذي فرضته القوى الدولية، فسنجد أنفسنا أمام خلل بنيوي أكبر، فرضته الإرادة الدولية لتعطيل عملية التفاوض وفقاً للقرار “2254”. فوجود منصتي “القاهرة” و”موسكو” وهي لا تمثّل قوى على الأرض لها نفوذ ضمن الثورة السورية، وإنما أُلحقتا بـ”هيئة التفاوض” من قبل جهات دولية وإقليمية.
وإذا أخذنا بالاعتبار أن معظم الأطراف المشكلة لهذه الهيئة لها مرجعيات خارجية (دولية وإقليمية) يدور بينها صراع حول سورية، يجعل من غير الممكن إدارة حوار بين هذه الأطراف (المشكلة لهيئة التفاوض) بعيدًا عن هيمنة أي طرف من الأطراف على عمل هذه الهيئة، وبعيداً عن أي تدخلات إقليمية أو دولية. مما يجعلها عاجزة عن إيجاد مربعات تفاهمات وطنية بينها، واللجوء إلى المنسق الدولي لحل إشكال تنظيمي فيما بينها، مما يؤيد ضرورة إعادة النظر بدور هذه الهيئة برمته، باعتبار مكوناتها تقدّم مصالحها الفئوية على مصلحة الخلاص من نظام الاستبداد. وبالتالي ضرورة إعادة إنتاج “هيئة التفاوض” التي بُنيت بإرادة خارجية لتكون هيئة تفاوض حقيقية عن الثورة السورية، وهذا يحتاج إلى أعلى درجات الضغط الشعبي من حاضنة الثورة، كي لا تضيع تضحيات ثوارها وشعبها مجانًا.
وبالرغم من كل ذلك فإننا نعتبر الثورة السورية التي أنجزت مهمتها الأولى بنجاح بتحطيم جدار الخوف، وأخرجت الشعب المارد من قمقمه، والذي لن يعود كسابق عهده يسكت على الضيم ويرضى بانتهاك حقه ويصفق ببلاهة لجلاديه، فهذه الثورة كسابقاتها من الثورات التي غيرت وجه التاريخ، سلسلة من التفاعلات التي لا تتوقف، ولا تنتهي إلا بإنجاز مهمتها الأخيرة وهي تغيير النظام الذي كان علة العلل ورحم الانكسارات الممنهجة. وبالتالي لا يمكن لحلول قزمة أو كيانات هزيلة أن تصبغ عليها المشروعية حتى لو رعتها قوى إقليمية وعالمية.
وبالتالي فإننا نرى ضرورة عمل شباب الثورة للدعوة إلى "مؤتمر وطني" ينبثق من خلاله هيكل سياسي لتمثيل الثورة بشكل ديمقراطي، في محاولة ليكون هذا الجسم السياسي الجديد معبراً حقيقة عن الحاضنة الجماهيرية للثورة وبالتالي يتحصن بمرجعيتها عن أي ضغوط دولية وإقليمية، مما يوجب مشاركة جميع فئات وقطاعات الشعب السوري، للوصول إلى التمثيل الحقيقي للشعب والثورة السورية وهذا يحتم عليهم القيام بانتخابات عامة لممثلي هذه الحاضنة الجماهيرية، على الأقل في المناطق المحررة وفي مناطق اللجوء.
د.م. محمد مروان الخطيب
كاتب وباحث سوري