نشرت (القدس العربي) مقالًا للكاتب السوري ماهر مسعود بتاريخ 2021/03/16 بعنوان " تأملات في الثورة الفاشلة" يستعرض من خلاله تصورات وتحليلات تقول بفشل الثورة ويفنّد تلك التحليلات التي نسبها لنشطاء وكتاب وإعلاميين ممن ينسبون أنفسهم للثورة والمعارضة، ولست بوارد سرد ماذهب إليه كاتب المقال وإنّما تناول " الفشل" الذي يحاول بعض السوداويين أن يلبسوه كقميص جاهز عنوة بالثورة رغم أنّ مقاسه يطابق نظام الإجرام الأسدي تماماً والنظام العالمي أكثر.
بعد مرور عشر سنوات على انطلاقة الثورة السورية لا بد أن نقف على المآلات الحقيقية لكل الأطراف التي انخرطت في الصراع الدموي الرهيب على الأرض السورية لتزوير المشهد بما يتطابق مع روايتهم التي اعتمدوها لتبرير تآمرهم على الشعب وثورته النبيلة بما يخدم مصالحهم الإستعمارية التي أقل مايقال فيها أنّها كانت دنيئة، ولنتعرف على مكامن الفشل لكل طرف ونقارنها بالفشل الذي يرمون به الثورة وجمهورها.
على صعيد نظام الإجرام الأسدي نجد أن جلّ ما استطاع انجازه خلال عقد من الزمان هو التدمير والانتقال بسورية سريعاً إلى الدولة الفاشلة بكلّ المقاييس، فمن سمات الدولة الفاشلة التي تبنّاها تقرير "مؤشر الدولة الفاشلة " الصادر عن مجلة "السياسة الخارجية" و"مؤسسة صندوق السلام" التي جاء فيها:
ـ عدم قدرة الحكومة المركزية على فرض سلطتها على ترابها الوطني، أو تأمين حدودها من الاختراقات الخارجية (برّاً وبحراً وجوّاً).
ـ عدم تمتع الدولة بالشرعيّة اللازمة، بالإضافة إلى تفشّي الفساد الإداري في أجهزتها ومؤسساتها وغياب النظم القانونية.
ـ الانقسام المجتمعي وحدّة الصراعات الدينية والعرقية المهددة لوحدتها الوطنية.
ـ هجرة أو نزوح داخلي، فقر وبطالة وتفشّي الجريمة والمخدرات والسرقة.
ـ انهيار قيمة النقد الوطني (حيث تراجعت قيمة الليرة أمام الدولار بما يعادل مئة مرة حتى وصلت إلى 4800 ليرة للدولار الواحد خلال شهر آذار/مارس 21).
ـ بروز قوى أمنية غير نظامية، تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان.
ـ فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها.
هذا واقع حال النظام الذي دفع الفورين بوليسي للقول في عددها يوم 2021/03/20: " (الأسد أو نحرق البلد) هذا هو الوعد الوحيد الذي التزم به النظام ".
أما بالنسبة لإيران التي صدّعت رؤوسنا وهي تتبجّح بأنها تحتل أربع عواصم عربية فيكفي أن نأخذ تصريح الرئيس الإيراني الأسبق (محمد خاتمي) الذي نقلته صحيفة القبس الكويتية 2021/03/20 من مقطع فيديو نشره على موقعه الألكتروني يدعو فيه المسؤولين الحاليين والسابقين الإعتذار من الشعب الإيراني بسبب فشل النظام في توفير أبسط متطلبات الحياة لهم.
كذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي دخلت في نهاية عام 2015 وقد تعهّدت بالقضاء على الإرهاب خلال ثلاثة أشهر، وهاهي اليوم وقد دخلت في السنة السادسة وماتزال تحاول أن تنقذ نظام الأسد المتهالك دون جدوى ولم يعد في جعبتها ما تقدّمه سوى المجاعة وانعدام الخدمات الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها مع من تبقى من فلول جيش النظام والميليشيات الطائفية.
وإذا ما انتقلنا إلى أروقة الأمم المتحدة فإننا نحتاج إلى مجلّدات تروي فشلها المزمن منذ تأسيسها وحتى اليوم، وخاصة في المذبحة السورية التي فضحت تواطئها وعجزها أمام أبسط المهام المنوطة بها منذ وقوفها موقف المتفرّج في حصار الغوطة ومضايا والزبداني وقلق (بان كي مون) المخزي الذي رافق فصول المذبحة.
لم يكن فشلاً للثورة في كل مراحلها رغم كلّ ما اعتراها من محاولات حرف وخطف وتزوير وتشويه، بل كان الفشل من نصيب النظام العالمي الذي تتزعمه وتقوده الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، حين اعترف الرئيس الأميركي الأسبق (أوباما) في مذكراته بأنّه نادم على خذلانه الشعب السوري، بينما الحقيقة ظهرت عندما فضحه الرئيس السابق (ترامب) الذي أمر بالكشف عن المراسلات التي تمت بين وزيرة خارجية أوباما (هيلاري كلينتون) والمجرم قاسم سليماني التي كشفت حقيقة داعش ومن كان وراء ولادتها وما الغاية منها.
لقد كانت أوجه الفشل تصفع الجميع. فشل أخلاقي غير مسبوق يدحض العالمين الغربي والشرقي وخطابهما الذي تبدّد أمام الدم السوري، فلا ديمقراطية الغرب رأت في استبداد الأسد غضاضة ولا مجلس الأمن وجد في استخدامه الكيماوي دافعاً للتدخل لحماية المدنيين من وحشيته بل على العكس كانوا يلقون اللوم على الضحية لعنادها الذي أماط اللثام عن قبح هذا النظام العالمي وادعاءاته المزيفة وفي المقابل انتصار أخلاقي للدم السوري الذي مازال يعيد للثورة ألقها ويصحح مسارها كلّما حاولوا حرفه، وساحات المدن في شتى الأصقاع تشهد حيث رفرف علم الثورة في ذكراها العاشرة وكأنها تعيد سيرتها الأولى من جديد.
ياسر الحسيني
كاتب وإعلامي سوري