كونوا بخير.. كلّكم.
الذين أحبوني والذين عارضوني.
الذين مدحوني والذين شتموني، والذين مدحوني في العلن وفي السرِّ شتموني.
الذين أعطيناهم الأمل والذين أعطونا إياه.
الذين ضاعوا منا والذين ضعنا منهم.
الذين وقعوا في حُبِّنا فمات قمر في البعيد، والذين وقعنا في حبِّهم فعثرنا على الأقمار فيهم وماتت حياة كاملة كانت كلَّ ما نملك.
آخ لو أنني أملكُ مسدّساً ولو معطّلا، لكنتُ هدًّدت رأسي كلَّ مساءٍ برصاصةٍ أمام المرآة، واعترفت لنفسي تحت تهديد السلاح بماذا أريد.
لا تستسلم.. حاول وستنجح. لكنني لا أحب طعم السم ولذلك أركل الفنجان كلما اشعر بأنني تآمرتُ على نفسي في المطبخ ووضعت شيئاً في الفنجان الذي سأقدّمه لنفسي بعد قليل وأنا أراقب يدي وهي ترفع الفنجان لِفَمِهِ.
لا اريد معرفة الدروب المؤدّية إلى الجنة ولا إلى النار، أريد فقط ألا أفكر بالدروب وأن أمضي فقط. الوقت يمضي بسرعة ولا أستطيع تحديد المسافة إلى حلبة الخسارة تماماً إلى قلبها، لكنني أعرف بأنني السباق دوماً.
لم تعجبني الحياة لكنها جميلة في مكان ما، توقفت قوافلنا في مضارب البكاء فأضافتنا لها، نحن ضحايا التكرار والمحاولة البائسة، نفكر بالموت أكثر من الحياة وعند كل نهاية نفكر بالخلاص، نستسلم كما لو أننا دخلناها خاسرين.
نحن ضحايا مرض فتاك اسمه التعلّق، لا نحب الوداع وكل فراق هو رصاصة في القلب، لماذا لا يسددون نحو الرأس لماذا؟ نتعلق بالأشياء التي لم نعد بحاجة لها ونتعلّق بالأشخاص الذين ابتعدوا عنّا منذ زمن، ونتعلّق أكثر بالذين يفكرون بالمضي وحين يمضون نتعلّق ببقاياهم، برائحتهم في الخيال، ضحكاتهم، كلامهم النادر في لحظات الحب، وأحاديثهم القصيرة عن الرحيل، إذاً ما هو الصراط؟
الصراط:
هو أن يسقط الأطفال على الجهة اليمنى ونفرح لسقوطهم الهني في كفّة الجنة،
/ أبني مات بس راح ع الجنة - قالتها أمّ قبل أيام /
امّا نحنُ فلن ننجو من الصراط لأننا سكتنا حين طُلب منّا الكلام، وتكلّمنا حين فات الأوان، سيدخل الجنة كلًّ من قال لا وهو يعرف أنه المملوك جابر.
لكنني قلتُ لا ودفعتُ ثمنها ربع قرن من رياح المنافي ولذلك لن أدخل الجنة لأنني أتعبتُ قلب أمي حتى نستني، وقلب طفلتي حتى صارت تخاف عليًّ من كل شيء.
لن أكتب لك بعد اليوم، سأكتب لنفسي طالما لم يعد بمقدوري أن اكتب لكِ، ولماذا أكتب لكِ وأنتِ لا تقرئين منذ زمن؟ لماذا مطلوب مني تفسير الحب كل يومين وأنا الذي كطائر أعمى دخلت غاباتكِ حتى رأيت جثتي أسفل شجرة الوقت.
لا تكن ضعيفاً هكذا أمام الحب، إذا أخطأ حبيبك اقطع رأسه دون محاكمة، لن يغضب منك لأنه سيتوه في دائرة السؤال.
لماذا قتلتني؟!
لأنكِ أحببتني..
لماذا اخترتني أنا؟
لأنكِ الوحيدة بين يديَّ.
آخ لو انني لا أخاف السكين، لقتلت كل الذين ينتظرون ولم يصدّقوا أنني منذ الأزل أنتظر هنا، وكان من المفترض أن أعيش مثل أيّة فراشة لا تنتظر سوى أن تحلّق في السهول.
كونوا بخير، للذين لم يبلغوا حلم الفراشة وخذلتهم الأرض والحقول.
كونوا بخير، الذين استسلموا، والذين لازالوا يتحاربون بالفكرة لإثبات العكس وفي النهاية يحترق الكتاب.
كونوا بخير، الذين يموتون الآن دفاعاً عن الاسم فوحده سيبقى.
آخ لو عندي مسدَّس ولو كان معطّلاً، أحب الطيران لكنني لا أحب ان اكون طياراً سوى لمرة واحدة، أن انطلق نحو الغيم في صعود أبدي وأرمي لكم الرسائل من كل سماء.
لو أنني الآن معكِ كنت سأعترف لكِ بأنني لم أحبكِ يوماً لكنني فشلت كثيراً في حذف صورتكِ العالقة كمصيرٍ محتوم فيًّ.
لو أنني لا أخاف الندم لرميت هاتفي في النهر بكل ذكرياته.
كونوا بخير، ولا تخافوا الحروب فهي تعلمنا الإنسانية، ولا تخافوا الفراق لأنه الفرصة الوحيدة لأن نتعلّم الحب ونوقِّع عليه بدمعة وابتسامة، تماماً كدمعة أمي وابتسامتها يوم رحيلي قبل سنوات طويلة.
محمد سليمان زادة
شاعر وكاتب سوري