العنف ضد الأطفال في إدلب.. جراح النفس والجسد


 

 

امتنع الطفل يوسف عن ارتياد المدرسة التي لم تعد بيئة آمنة بالنسبة إليه، كما أصبحت ساعة الدوام تعلن موعده مع الخوف والرهبة، بسبب الضرب والتعنيف الذي يتعرض له باستمرار من قبل معلمه، الأمر الذي جعله يترك المدرسة ويرفض بشدة العودة ثانية.
الطفل يوسف الحلوم(7 سنوات) من مدينة إدلب، ليس حالة فردية، حيث تنتشر ظاهرة العنف في إدلب نتيجة غياب المحاسبة والقوانين الرادعة، ولم يسلم الأطفال من التعنيف، الذي ازدادت شدته وقسوته بسبب ظروف الحرب الضاغطة والفقر والنزوح، مما خلف آثاراً سلبية على نفسية الأطفال وشخصياتهم وتأخرهم الدراسي.
والدة الطفل يوسف تتحدث ل"إشراق" عن معاناة ولدها بالقول: "منذ حوالي شهر عاد ولدي إلى المنزل يجهش بالبكاء، وعندما سألته عما حصل معه، أخبرني أن معلمه ضربه بخرطوم المياه على يديه وقدميه أمام زملائه بسبب عدم كتابة وظائفه، فشعر بالألم والخجل، ثم حاولت تهدئته وتبرير ما فعله المعلم، دون أن يجد كلامي جدوى."
تبين أم يوسف أنها تقدمت بشكوى لإدارة المدرسة، وطلبت نقل ولدها إلى صف آخر دون أن يستجيب أحد لطلباتها، وعن ذلك تقول: "من ﺣﻖ ﺃﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﻠﻘﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺑﻼ ﺧﻮﻑ ﺃﻭ ﺗﻌﻨﻴﻒ، لكن ولدي يعتبر الخاسر الوحيد، حيث خسر تعليمه ومستقبله بسبب معلم لا يفقه أي شيء بأصول التدريس وأخلاقه ."

كذلك تتسع ظاهرة العنف المنزلي ضد الأطفال وتتزايد في ظل ظروف الحرب نتيجة الضغوطات النفسية أو التفكك الأسري أو الفقر والأوضاع المعيشية المتردية.
الطفلة نور العمر (5 سنوات) نازحة من مدينة معرة النعمان إلى مدينة سلقين، تعرضت لضرب وحرق من قبل زوجة والدها، بعد الطلاق الذي وقع بين أبيها وأمها، وعن ذلك تقول والدة نور لإشراق: "بعد انفصالي عن زوجي، تركت المنزل وابنتي الوحيدة في عهدة والدها، وأثناء زيارتها لي لاحظت وجود آثار ضرب وحروق في جسدها، الأمر الذي جعلني أسألها عن السبب، فردت وهي تبكي بأن زوجة والدها تكرهها وتضربها باستمرار ."
تقدمت بشكوى قضائية ضد والد ابنتي وزوجته، لكنه استطاع أن يثبت من خلال تقارير طبية مزورة أن الطفلة مصابة بمرض جلدي وأن ادعائي كاذب، كما منعني من رؤيتها ثانية ."
كذلك الطفل وليد (12 عاماً) من بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، يتعرض للتعنيف الجسدي واللفظي من قبل والده بشكل مستمر، مما أثر بشكل سلبي على شخصيته، وعن ذلك تتحدث والدته بالقول: "زوجي عصبي المزاج، يعنف ولدنا الأكبر وليد باستمرار لأي خطأ يرتكبه، مما أثر عليه وجعله ضعيف الشخصية، خجولاً، يفضل البقاء وحيداً طوال الوقت ."

ولا يسلم الأطفال من العنف في بيئات العمل، نتيجة صغر سنهم وعدم قدرتهم على المطالبة بحقوقهم.
خالد الرزوق (13 عاماً) نازح إلى مدينة إدلب، اضطر لترك المدرسة للعمل في ورشة لتصليح الدراجات النارية، لتعلم مهنة تمكنه من إعالة أمه بعد اعتقال والده في سجون نظام الأسد منذ ثلاث سنوات، يتعرض للضرب من قبل صاحب الورشة، عن ذلك يقول: "أكره العمل بسبب تعرضي للضرب من قبل صاحب الورشة بحجة الحفاظ على مصلحتي، وتعليمي المهنة ."
يشير الرزوق إلى أنه حاول ترك الورشة للبحث عن عمل آخر، لكنه سرعان ما عاد إليها بسبب البطالة وشح فرص العمل. 

لا يطال العنف الموجه ضد الأطفال جراح الجسد فحسب، بل يمتد تأثيره إلى جراح النفس، فيترك أثراً عميقاً في نفوس الأطفال، وقد يتحول إلى عقد وأمراض نفسية تستمر مدى الحياة.
براءة العبسي (36 عاماً) من مدينة إدلب، عاملة في مجال الصحة المجتمعية تقول لإشراق: "يشمل العنف كافة أشكال سوء المعاملة الجسدية أو النفسية أو اللفظية التي يتم تطبيقها على الطفل ."
وتؤكد العبسي أن العنف ﻳﺘﺮﻙ ﺗﺒﻌﺎﺕ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، فهو ﻳﻌﻴﻖ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﻟﻠﺪﻣﺎﻍ، وينتج جيلاً خانعاً ضعيفاً، فاقداً للثقة بالنفس، منطوياً على نفسه معزولاً عن الآخرين، عدوانياً، وقد يؤدي بالطفل إلى تصرفات شاذة سلبية، ونشاطات غير صحيحة او غير أخلاقية .”.
والأخطر من ذلك بحسب العبسي أن ضحايا العنف يقومون بتمثل شخصية معنفيهم، لنبذ إحساسهم بالضعف والعجز، ويتجهون إلى تطبيق عنفهم على الفئة التي يستطيعون السيطرة عليها.
ولتفادي تعرّض الطفل للعنف، تؤكد العبسي على ضرورة تعزيز ثقته بنفسه، وخلق مساحة ثقة بين الأهل والطفل، للاستعانة بهم في استرداد حقه في حال تعرض للتعنيف، مع ضرورة القيام بحملات توعية للأهل لتعريفهم بالعنف الأسري وخطورته على أطفالهم، مع إخضاع الأطفال لدورات علاج نفسي للتخفيف من معاناتهم.

 

 

سونيا العلي 

كاتبة وصحافية سوري

Whatsapp