ما بين لوزان ومونترو 


 

 

منذ أن فُتِحت "إسطنبول" على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453م  والخلاف سيّد المشهد بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية، وذلك بسبب مضائق البحر الأسود ، ففي العام 1774 وُقعت "معاهدة قاينارجه" بين العثمانيين والروس، التي اعترفت بحق المراكب الروسية في المرور بحرية في المضائق، وأضيفت "إنكلترا" إلى المعاهدة عام 1840م وبعد توقيع "اتفاقية موندروس"  عام 1918، سيطرت دول الحلفاء على المضائق، ولتنتهي سيطرتهم على المضائق الإستراتيجية عقب حرب الاستقلال التركية بعد توقيع "معاهدة لوزان" عام 1923، وفي العام 1936 وُقِّعت "معاهدة مونترو" استكمالاً لمعاهدة لوزان، حيث تم التوقيع عليها في 20 تموز/يوليو في قصر مونترو في سويسرا بمشاركة دول من بينها الاتحاد السوفياتي وتركيا و بريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا. حيث تضمنت الاتفاقية 29 بنداً، وأربعة ملحقات وبروتوكول، وبعد خروج الاتحاد السوفياتي منتصرًا في الحرب العالمية الثانية عام 1945، وبروزه كقوة عظمى مهددة لاستقرار تركيا، طالبت روسيا السوفييتية تعديل معاهدة مونترو، كما طالبت بالحصول على مواقع عسكرية في منطقة المضائق التركية، إلا أن انضمام تركيا لحلف شمال الأطلسي عام 1952 حال دون ذلك، لتصبح تركيا بعد ذلك الحصن الأول لحلف شمال الأطلسي في مواجهة الاتحاد السوفياتي. 

حاول الاتحاد السوفياتي مرارًا تغيير  شروط الاتفاقية، بهدف ضمان حماية حدوده من جهة البحر الأسود، وتأمين ممر سالك لقواته البحرية إلى البحر الأبيض المتوسط، لكن محاولاته باءت بالفشل كما باءت محاولات الولايات المتحدة في إقناع تركيا بالتحايل على الاتفاقية بالسماح لقوات "حلف شمال الأطلسي" بالعبور لمياه البحر الأسود في أثناء فترة الحرب الباردة. 

ونذكر في هذا السياق استدعاء أنقرة للسفير الروسي في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2015 احتجاجاً على قيام أحد الجنود الروس وكان على متن سفينة حربية روسية بحمل قاذفة صواريخ في وضعية الإطلاق أثناء مرور السفينة بمضيق البوسفور، وقد اعتبرت تركيا حينها ذلك التصرف استفزازاً، ومخالفة صريحة لاتفاق مونترو الذي يضمن مرور السفن المدنية والحربية "وفق شروط محددة واضحة" وأعلن وزير الخارجية التركي أن جميع السفن العابرة لمضيق البوسفور يجب أن تحترم القواعد القانونية الدولية، معبراً عن أمله في أن تكون تلك الحادثة "الاستفزاز الوحيد، وأن لا يصبح نهجا". 

واليوم على الرغم من أن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" قد صرّح وأوضح أن "مشروع قناة اسطنبول" بين البحر الأسود وبحر مرمرة لا يهدف إلى انسحاب تركيا من اتفاقية مونترو، إلا أن هناك من يصرّ على ربط الأمرين ببعضهما.! لغايات خبيثة، والأهم من كل ذلك لا يوجد ضمن بنود "اتفاقية مونترو" ولا غيرها من الاتفاقيات التي سبقتها ما يمنع تركيا من تنفيذ مشروعها الجديد في ربط البحر الأسود ببحر مرمرة بواسطة قناة جديدة، لكن الذي أثار حفيظة بعض دول الغرب وموظفيهم المحليين وقضّ مضاجعهم هو اقتراب تركيا إلى الانعتاق من أصفاد "لوزان" ونيتها المباشرة بتنفيذ مشروعها الجديد الذي يربط البحرين الأسود ومرمرة والذي سيخفف الضغط على "مضيق البوسفور" ويجني عائدات مالية عالية، وهذا ما لا يريدونه أن يحدث ما استطاعوا لذلك سبيلاً، لكن الثابت أن تركيا حسمت أمرها وامتلكت قرارها وحددت أهدافها، وقضي الأمر.

 

 

محمد علي صابوني

كاتب سوري

Whatsapp