"إلى والدي الذي لم يعرف طعم الخوف"
كانَ في العشرينِ رُمْحاً
كانَ صبحاً
أو عريساً مِنْ ندى
صاحب الكفَّ الندية
كان أزهاراً ندية
يقطفُ الشمسَ سراجاً
وابتهاجاً
يفتحُ الظلَ قلاعاً من حريرٍ
خفقَ قلبٍ/ تاجَ عزٍ/عطرَ وردٍ
كانَ جباراً قويا
يمتطي الريحَ خيولاً وسيولاً ثم يمضي
نحو أحلامِ الصبايا
والمرايا راودتهُ اليومَ كحلاً في عيونٍ غجرية
كي يُغنِّي
لستُ منكَ / لستَ مني
دعني أمضي كاشتهاءٍ حين يطويه شتاءٌ
أو شتاءٍ حين يعلوه اشتهاءٌ
وليالٍ اتعبتْ فيه مُناها
إنْ محاها مِن سجلِ الوقتِ سراً
لم تخنهُ النارُ جهراً
إنْ تدلتْ
ساعةَ الصفرِ المعنّى
غير أنَّ العمرَ يجري
نحو صفرٍ وانتهاءٍ وابتلاءٍ
وكهوفٍ سرمدية
***
صارَ في الخمسين سيفاً
لا ولا كلَّ السيوف
يقضمُ الأوجاعَ زاداً ومراداً وارتداداً وانكساراً
كلًّ حينٍ تشتهيه اللحظةُ الأخرى
لم يبُحْ يوماً بآهٍ
لم يَقًلْ إني عليلٌ
لم يَفُتْهُ الآنَ تاريخٌ الرجالِ
بلْ سيبقى فوق أنقاضِ السنينِ
لم يفُزْ يوماً بليلى
لم تنلْ منهُ سعادٌ
ظلَّ يحدوهُ انتصارٌ
مثلَ خمّارٍ عجوزٍ حشو عينيه لهبْ
عتّقَ الكأسَ اختلاساً
فتراخت كلًّ أهدابِ الغواني
أذّنَ الصبحَ خشوعاً
حينَ صلّى
طاحَ مِنْ خديه ألفُ بستان عنبْ
***
صارَ في الستين غدراً
دون وعدٍ دون عذرٍ
فرمتهُ ورماها ثمَّ تاهَ
قال إنّي تائبٌ عنها وعنّي
بات توتاً وعتبْ
أضحى كوخاً منْ خشبْ، صارَ أشلاءَ تعب
عند بابِ البيتِ كرسيٌّ عتيقٌ
قهوةٌ مرة وهيلٌ
وعصاً مِنْ خريفِ العمرِ رافقتهُ
ورفاقٌ مثلهُ باتوا هشيماً
يفتك البردُ بأوصال الشيوخِ
يجمعونَ الأمسَ كوماً مِنْ حطبْ
وحكايا الهمسِ تجتاحُ الخلايا
في عيونٍ بابلية
***
صارَ في السبعين ينسى
حين يغفو يُعلنُ الصمتُ احتجاجاً
إنّهُ طفلٌ صغيرٌ
يتشهّى العيدَ صبحاً
ومساء العيد نامت كلَّ أرجاء المكان
سادَ صمتٌ في تفاصيلِ النعاسِ
نامَ عاماً تلو عامٍ
ثم صار قديساً تقياً.
أحمد رشاد
شاعر وكاتب سوري