توفي المفكر والمعارض السوري البارز ميشيل كيلو عن عمر يناهز 81 عاماً يوم الاثنين 19 نيسان/ابريل بأحد المستشفيات العاصمة الفرنسية باريس متأثراً بإصابته بفايروس كورونا. لم يكن ميشيل كيلو مجرد معارضاً للنظام في دمشق بل كان أيضاً مفكراً ومدافعاً عن حقوق الإنسان والمرأة بالدرجة الأولى وكاتباً ومترجماً.
ولد ميشيل كيلو في مدينة اللاذقية عام 1940 درس الصحافة في ألمانيا ومصر عمل بعدها مترجماً بوزارة الثقافة في دمشق انخرط بعدها في العمل السياسي في سبعينيات القرن الماضي اعتقل بعدها في زمن حافظ الأسد لمعارضته سياسته في سورية آنذاك وغادر بعدها دمشق متوجهاً إلى فرنسا.
بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000 أعطي الأمل لمعظم المعارضين بالتغيير في سورية والقيام بنشاط سياسي ومنهم ميشيل كيلو. كان من أبرز المشاركين في صياغة إعلان دمشق عام 2005 كما شارك قبلها بظهور المنتديات السياسية ولجان إحياء المجتمع المدني الذي عرف آنذاك بربيع دمشق.
لم تعرف سورية مثل هذه النشاطات في عهد الأسدين فلم يدم ربيع دمشق طويلاً إذ أغلقت الأجهزة الأمنية كل المنتديات السياسية واعتقلت الكثير من المعارضين ومنهم ميشيل كيلو
بدأت بعدها شرارة الثورة السورية عام 2011 انخرط بها كيلو منذ اليوم الأول وأيدها وأيد المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية والتغيير السلمي.
تعرض بعدها لمضايقات كثيرة من الأجهزة الأمنية ما دعته لمغادرة سورية متأملاً بالعودة القريبة مع تحقيق حلمه ببناء سورية حرة مستقلة.
انخرط بعدها في الحراك السياسي للثورة السورية وكان عضواً بارزاً في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية انسحب لاحقاً من المشهد السياسي واستقر في باريس وتفرغ للكتابة حتى رحيله.
اعتاد ميشيل كيلو خلال العشر سنوات التي مضت بمشاركة السوريين آلامهم وأحاديثهم بشكل أساسي عبر تطبيق (واتس آب) لتنشط في كل فترة تسجيلات بصوته تنتشر على نطاق واسع بين السوريين يسألهم عن أحوالهم ويبث فيهم روح الطمأنينة والأمل من جديد والإصرار على سقوط نظام الأسد ومحاسبته ولو بعد حين.
قبل وفاته بأسبوع كتب وصية وجهها للشعب السوري حملت عنوان ( كي لا تبقوا ضائعين في بحر الظلمات ) ركز في الوصية على أمور كثيرة أبرزها:
(في وحدتكم خلاصكم، لا تنظروا إلى وطنكم من خلال أهدافكم وايديولوجياتكم بل انظروا من خلال وطنكم، لا تتخلوا عن أهل المعرفة والفكر والموقف استمعوا إليهم واحترموا مقامهم الرفيع، لن يحرركم أي هدف غير الحرية فتمسكوا بها في كل كبيرة وصغيرة ولا تتخلوا عنها ابداً.)
في هذه الكلمات ودع ميشيل كيلو السوريين رحل منفياً لم تكتحل عيناه بسورية الحرة التي حلم بها على مدار نصف قرن. رحل ميشيل كيلو وبقي الطاغية.
في الوقت نفسه بدأ النظام السوري مسرحياته الجديدة وهي الانتخابات الرئاسية في سورية
إذ حدد (مجلس الشعب السوري) يوم الأحد 26 أيار/مايو موعداً للانتخابات الرئاسية حيث تقدم بشار الأسد بأوراقه للترشح مع 15 أشخاص آخرين بينهم امرأتين، بطلبات المشاركة في السباق الرئاسي المفترض.
لكن السؤال الذي يراود الكثيرين أي انتخابات ستجرى وسورية اليوم والسوريون يعيشون تحت وطأة أزمات معيشية خانقة في الداخل والتشرد بكافة أشكاله في الخارج، سورية اليوم باتت مقسمة بعدما تحولت كل منطقة فيها إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية.
لمن يرشح نفسه بشار الأسد لوطنٍ مدمر أم لشعبٍ مهجر بالملايين أم لعشرات الذين قتلهم تحت التعذيب أم الذين تفنن في قتلهم إما ببراميله المتفجرة أو خنقاً بالأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً.
استخدم بشار الأسد كل الوسائل لإبادة شعبه مقابل إبقائه في السلطة، لعب على الوقت فنسي العالم مأساة السوريين بعد عشر سنوات.
إن إجراء الانتخابات الرئاسية في سورية أقل ما يمكن وصفها بالمهزلة فهي مسرحية جديدة للنظام السوري بطلها بشار الأسد ومخرجيها داعمي النظام السوري روسيا وإيران أما المشاهدون فهم المجتمع الدولي بأكمله العاجز عن إيجاد حل للمسألة السورية.
جميع منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ودول العالم بأكمله عاجزة عن إيقاف النظام السوري بارتكابه المزيد من المجازر بحق الشعب السوري ومحاسبته عن قتل أكثر من مليون ضحية.
اي انتخابات ستجرى ونصف الشعب السوري خارج بلاده مشردًا وغالبية الأراضي السورية خارج سيطرة الدولة السورية، أي انتخابات والسوريون اليوم في الداخل يعانون في كل يوم من أزمةٍ جديدة.
وأخيراً شتان بين رجلين رجلٌ كسبَ احترام الشرفاء والآخر فقده رجلٌ حلم بسورية تسودها الحرية والديمقراطية ورجلٌ أوصل سورية إلى الانهيار والخراب رجلٌ حلم بسورية حرة ورجلٌ يصر على إبقائها سورية الأسد فشتان بين الاثنين.
لم يتفق السوريون على شخصية وطنية منخرطة بالعمل السياسي كما اتفقوا على ميشيل كيلو ولم يتفق السوريون أيضاً على شخصية أوصلت سورية إلى الهاوية كما اتفقوا على بشار الأسد. إذ لا يمكننا إلا أن نحترم اولئك الرجال الذين يعلموننا في كل يوم العصيان ضد الظلم والظالم.
آلاء العابد
كاتبة سورية