سترحلين ...
أعرف هذا
كل ليلة أُجهزّ الشموع
فما من امرأةٍ بقيت في السابق
وما من امرأةٍ تركت طباع الغزالة
وصارت شجرة
في عائلتي لا أحد يحب الفؤوس
كنّا ندلل أشجارنا
فوقع الغرباء في حبها
لكننا لم نبكِ
نحن لا نبكي على النساء
وآخر مرة بكيت فيها كانت يوم ولادتي
ولا أعرف لماذا بكيت؟
وكم بكيت
لكنني أذكر أن امرأة جميلة
مسحت كل دموعي
بصوتها
سترحلين
ولا دموع ستسقط عليكِ
حملنا صفات أشجارنا
لا نتألم على أصحابنا
لا نبكي
فوقع الغرباء في حبنا
في مدفأة ما
التقيت ابن عمَّي
كنا نحترق يومها
وكانت الغيوم تتشكّل فوق جبل هاوار
لكنني رأيتكِ تبتعدين
كنتِ غزالةً صغيرة يومها
وأنا كنتُ العشب حول جزع تلك الشجرة
رأيتُ أسنانكِ
بيضاء كحليب أمّي
ولمستُ شفتيك حتى صرتُ غابة
لو أنني لستُ شجرة
لما قال أبي عنّي بأنني غريب الشكل
أغصاني كلها مائلة على التراب
قال أحدهم بأن هناك شجرٌ اسمه الباكي
لكنني لا أذكر أنني بكيتُ يوماً
سوى يوم سألتني أمّي عن اسمي
الأشجار تنسى كثيراً
والغزلان لا تتذكر العشب الأول
الغزلان تمضي فقط
لو أن أمي لم تكشف سرّي
لقلت لكِ بأنني غراب حر
جئت من تزاوج صقرٍ مع أنثى الهدهد
كبرتُ مع الظلام حتى أخذته في ريشي
غرابٌ حُر
حتى عيناه لا تلمعان في الظلام
لكنكِ تعرفين
بأنني مقطوع من غابة
جرفني النهر تسعين عاماً ولم أصل
رأيتني عائماً منذ الولادة
ورأيت النهر
لكنني لم أصل
نسيت أنني كنت شجرة
وأنت كنتِ الأنهار
لا الأشجار تمشي
ولا الأنهار تعود
محمد سليمان زادة
شاعر وكاتب سوري