ترى ماذا سيفعل القفل عندما يعود لزيارته المفتاح...؟
هل سيعرفه بعد سنين الغياب...؟
عشرون عاماً من الشوق تكفي لعناق بلا صرير.
يااااه لقد أصاب الصدأ ذاك القفل والمفتاح.
من ثقب ذاك الباب في الغرفة العالية، الغرفة الصغيرة ذات الشباك الصغير، أكوام من الذكريات، والأشياء الصغيرة المهملة تملؤها كخرابة مهجورة في حي قديم، دفاتر قديمة وكتب وصور وفراش صغير له ذاكرة قوية تشهد على مراهقتي الشقية ...!
إنها ما زالت تحفظ أسراري وتحمل في طياتها رائحة السجائر التي كنت أختلسها من علبة سجائر أبي الحمراء لأستمتع بها بعد منتصف الليل والكل نيام.
كان لتلك السجائر المسروقة طعم لذيذ ليس له شبيه ولا يشبه سجائر اليوم، ربما لأنها من سجائر أبي وتحمل رائحته!
المناديل التي كنت أمسح بها أحمر الشفاه الذي أضع منه بعد أن تنام أمي، كان طعمه لذيذ، لا يشبه أحمر شفاه اليوم، ربما كان يحمل شيء من طعم قبلات أمي الكرزية.
ياااه كم كنت كاذبة عندما أقسمت أنني لم أضع منه وأكسره دونما قصد!
بت الآن أطول وضفيرتي التي كانت تُربكني بعد الاستحمام تستلقي في درج خزانتي.
إنني أقترب من أكثر عاداتي سوءاً بنظر أبي إنها صور الفنانين التي كنت أخفيها عنه، لم يحبهم يوماً، إنهم مخنثين، يقول بحنق وغضب شديدين:
- كيف لجيل كهذا أن يعيد القدس؟
ما هذا الصوت القادم من خلف الباب؟
إني أرتعد، هل هنَّ جنيات هذه الغرفة اللواتي أخبرتني عنهم عمتي سعاد؟
كنَّ يمشطن شعرها الطويل ليلاً بمشط أسود، ويسرقن الشعرات المتساقطة ليصنعن لها حجاب لجلب الحبيب.
أني أسمع جلبة داخل الغرفة:
هيا تعالي.. لقد عادت
من المتكلم في نفسي أقول؟
هل ستظهر لي الجنيات؟
كنت أرسمهم في دفتري الصغير بشعرهنَّ الطويل وعيونهن الزرقاء الواسعة
وأصابعهنَّ المنحوتة كمغزل الجدات!
أم أنهم كتبي القديمة ودفاتري وقصصي الرومانسية التي كنت أقرأها دون علم أمي ...!
إنه ينادي عليها تنادي عليه:
من ينتظرني يا ترى بداخل الغرفة الصغيرة ...؟
هل هي ذكريات الصبا والمراهقة هل أصبح لها أصوات بعد رحيلي ...؟
سأفتح هذا الباب وأدخل وأستنشق غبار الصبا وأنعم بحنان المكان، إنهم يتهامسون خلف الباب:
- سأفتح الباب
الضوء الذي دب في اللمبة كمشنوق قديم تدلى من السقف، داهمته بالنظر فبكى وقال:
أهلاً بعودتك.
إنه قلمي يهمس لدفتري القديم
تعالي لنبدأ الكتابة .... لقد عادت إلينا من جديد.
مرام رحمون
كاتبة سورية