دخلت منطقتنا العربية والشرق الأوسط ككل مسار حقبة جديدة بعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقي التطبيع المشبوه للعلاقات مع الكيان الصهيوني في واشنطن منذ أقل من عام، وهو ما سمي بـ"اتفاقات أبراهام" إنها الخطوة التي قوّضت الإجماع العربي بشأن القضية الفلسطينية أكثر مما هو مقوضاً وبائسًا وتابعاً، ليصبح معها الذلُ رباعياً (كامب ديفيد، أوسلو، وادي عربة، أبراهام) ضمن مسار التطبيع، المدعوم غربياً، مع الكيان الغاصب، وهم جميعاً لا حققوا سلاماً ولا حافظوا على ماء وجوههم القميئة، فها هي انتفاضة الأرض المحتلة في فلسطين بـ"القدس وحي الشيخ جراح" تؤكد زيف ما ادعوا، وانكشاف عمالتهم وتبعيتهم جميعاً لسرديةٍ صهيونية كاذبة ومخادعة مؤداها أن "إسرائيل قلعة الحداثة والديموقراطية والسد المنيع في مواجهة ما سمي بالإرهاب الإسلامي"!، إنها سردية تتلاقى وتتقاطع وتخدم سردية أكثر كذباً ومخاتلة، وهي السردية الصفيونية بأن "ملالي إيران جزء من حلف الممانعة ومقاومة الإمبريالية والصهيونية"!، وقد كان على شعوبنا العربية والاسلامية أن تكون رهينة لهاتين السرديتين المدعومتين دولياً، وترعاهما الإمبريالية بشتى وسائل الرعاية.
الهزيمة الحقيقية لأي أمة أو شعب هي القبول بسردية العدو، فالنصر بوابته العصيان الإبستمولوجي للتحرر المعرفي وتصفية استعمار عقولنا أولاً، عرباً ومسلمين، لنقدر على فهم مشكلاتنا بمرايا عقولنا لا بمرايا عقولهم، ذلك فقط ما يصنع الفارق بين المُخبر المحلي كطابور خامس والمقاوم الحقيقي المدافع عن الوجود وتقرير المصير، وهذا هو الدرس بالغ الأهمية لانتفاضة القدس وحي الشيخ جراح في هذه الآونة.
أكثر من أربعة عقود من التحالف الغربي الإيراني غير المُعلن، ربما حان وقت تجديد هذا التحالف بصيغ وشروط جديدة، أو حتى إعلان نهايته؛ وربما حان الوقت لمعادلات جديدة في المنطقة؛ لكن الموضوع برمته ليس لأجلنا، فلقد دفع كلٌ من شعبنا السوري وشعبنا الفلسطيني أثماناً باهظة لا تقدر بالأرقام عندما اشتغل ومارس نظام الاستبداد الأسدي في السبعينات والثمانينات على همروجة وأدلوجة ما سمي "دور سورية الإقليمي"، ودفعا أثماناً أكبر عند سقوط هذا "الدور" وتحول سورية إلى "بلد- ساحات" لصراعات إقليمية ودولية مثلما ندفع اليوم، مرتين أيضاً، أثماناً لا توصف للاتفاق النووي الإيراني المُلغى، مرة عند إبرامه، حيث ترك "أوباما" السوريين فريسة للسياسات الإمبريالية: الأميركية والروسية والإيرانية الصفيونية، وليدفعا اليوم أثماناً أكبر بعد إلغائه تمهيداً لتعديلاته، لأن إيران لن ترد إلا في الساحة السورية وعلى حساب السوريين، وها هم الصهاينة أيضاً يردون هذه الأيام في ساحات الأقصى بمواجهة الفلسطينيين العزل؛ إيران الصفيونية وإسرائيل الصهيونية يصطدمان في أرض العرب، كل منهما ينتصر لمشروع كهنوتي أسطوري عنصري عدواني إبادي.
شعب سورية يُباد مثلما يُباد شعب فلسطين، والسطو على شيعة العرب وإلحاقهم بمشروع تطييف عدواني على أمتهم لا يختلف في شيء عن مخطط السطو على يهود العرب وإلحاقهم بمشروع تطييف وإبادة أمتهم العربية، ومثلما تُدمّر وتطمس عمائر التاريخ والذاكرة في فلسطين جرى ويجري إبادة عمائر التاريخ والذاكرة في سورية! وكذلك يتم التحكم من الصهيونية والصفيونية بهندسة الانتخابات في كلٍ منهما.
مثلما نسمع يومياً مساطيل الصهيونية يتوعدون العرب بالثأر الذي تهرف به أساطير أزمنة التوحش القبلي المتسربل بالدين؛ فإننا ننام ونصحى في سورية ولبنان واليمن والعراق على هذيان مساطيل الصفيونية وملاليها الذين يتقيؤون أساطير من أزمنة التوحش الشعوبي!
تعلمنا من "صلاح الدين الأيوبي" أن تفكيك كيانات "الفرنجة" كان مدخله الرئيس، التحرر من سردية الغزاة الذين كانوا يرفعون الصليب للسطو على المسيحيين العرب، قبل السطو على أمتهم، يوم خاض ’صلاح الدين‘ المعركة تحت رايات مواجهة الغزاة الفرنجة، كان النصر والفتح المبين.
كذلك اليوم ليست معركتنا مع يهود العالم؛ ولسنا مستعدين لخسارة ما تبقى من أحرار اليهود، بل نعتبر انخراطنا في مقاومة الصهيونية إنما هو أيضاً تحرير لجميع اليهود من غيتو الصهيونية؛ وعلى نفس الدرجة يأتي رفضنا للتضليل الصفيوني الذي يزعم تحرير فلسطين على جماجم أطفالنا وخراب وحدة نسيج أمتنا، وخراب مدننا وذاكرتنا التاريخية التي تباد من على وجه الأرض!!!
لسنا أعداء للشعوب الإيرانية، بل هم حلفاؤنا ونحن حلفاؤهم، في معركة التحرر من آخر الكهنة المتألهين باسم الأساطير الظلامية العدوانية الشوفينية المتوحشة هنا وهناك: ثالوث الصهيونية والوهابية والصفيونية.
سورية محتلة، فلسطين محتلة، الغزاة الهمج يقتتلون وسلاحهم أضلعنا، وهدفهم أمتنا التي يحكمها فيشي خائن بكل موطن عربي، وضعٌ كابوسي ولكن حُقّ لمن يقاوموا أن يأملوا في النصر، ووحدهم اليوم: الشعب السوري والفلسطيني والعراقي واللبناني واليمني يمثلون الشرعية ومقاومتهم للصهيونية والصفيونية معاً هي المشروعة.
عبد الباسط حمودة
كاتب سوري