لبنان وسورية: التوأم السيامي


 

برأي ورأي الكثيرين لا يمكن الفصل ولا بأي شكل من الأشكال بين الوضع اللبناني والوضع السوري، أو بين ما يجري في لبنان وما يجري في سورية وذلك لأسباب كثيرة ليس أقلها أن لبنان وسورية هما أصلاً بلداً شاميّاً واحداً، و عملية سلخ لبنان عن سورية الأم  أتت في سياق مرحلي لمخطط طويل الأمد وقد بدأ هذا المخطط بفصل لبنان ومن ثم تهيئته ليشكل نموذجاً في المحاصصة الطائفية حيث يمكن تطبيقه فيما بعد على أجزاء أخرى محايدة للكيان الإسرائيلي استكمالاً لمخططهم.  فالموضوع لم ولن يقف عند لبنان. الخطة كما أسلفت من وجهة نظري هي تطبيق النموذج اللبناني على مناطق سورية بعد سلخها عن الوطن الأم وإقامة (دويلات الطوق الطائفية) والتي يفترض أن تشكل فيما بعد جدار فصل بين هذا الكيان المحتل وبين محيطه العربي السني الواسع والذي -من وجهة نظرهم طبعاً- يجب أن يُبعَد عن حدود هذا الكيان المحتل. وقد بدأنا نرى إرهاصات تلك المحاولات في الجنوب السوري وتحديداً في منطقتي حوران وجبل العرب. لا شك أن نظام أسد هو ليس ببعيد عن هذا المخطط بل هو جزء رئيسي منه وهذا أحد أهم أسباب إطلاق يد الأسد الأب في لبنان والتغاضي عن جرائمه بحق المقاومة الفلسطينية الحقيقية. و"مجزرة تل الزعتر" خير شاهد على ذلك. وإطلاق يد الابن في سورية. ومجازره بحق السوريين ومساهمته في تمزيق سورية وبيع قسم كبير ورهن الآخر أيضاً خير شاهد وأوضح دليل.
ناهيكم عن دعمه بأنابيب الإنعاش السياسية والاقتصادية والعسكرية كلما شارف على السقوط، تلك هي المعادلة فالمؤامرة كبيرة ومتشعبة على هذه الأمة.

لن أتعمق بالوضع الاقتصادي اللبناني الداخلي وسأترك هذه المسألة لمن هم أدرى مني بها وبحيثياتها لكني سأتطرق إلى الجزء المتعلق بالوضع السياسي السوري. من وجهة نظري فإن الأسوأ لم يأت بعد. ولبنان على شفا انهيار شامل لن يقتصر على الاقتصاد وحده. والسبب الرئيسي للأزمة المتفاقمة هو عدم وجود سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، إلى جانب غياب الإرادة السياسية الحقيقية لايجاد حلول جذرية.
وقد بات المجال مفتوحاً لكافة الاحتمالات، فالطبقة السياسية مازالت تتلاعب بمصير الشعب والبلد عموماً. وهي غير مستعدة حقيقة لتقديم أي تنازلات من أجل  تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبح عبئاً على اللبنانيين ويهدد بانفجار شامل".
لا يمكنني في هذا المقام أن أفصل بين تصريحات "جبران باسيل" حول مسرحية "الانتخابات الرئاسية السورية" وبين تصريحات "ميشيل عون" الأخيرة وهجومه على تركيا ووسم الدولة العثمانية بالظلم وتحميلها مسؤولية ارتكاب المجزرة بحق الأرمن فكلا التصريحين تم إعدادهما خارج حدود لبنان وتلقينهما للمتحدثَين.
لم يعد هناك مجال للمجاملة أو للمواربة وأصبح لزاماً علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها، واليوم إن أردنا أن نأخذ فكرة عن حجم وقذارة هذه المؤامرة التي تستهدف العرب السنة تحديداً  فلننظر إلى ما جمع ميشيل عون مع حسن نصرالله مع جبران باسيل مع بشار البهرزي. وعلى الرغم من أن هذا التحالف لم يثمر عن شيء إيجابي للبنان وهذا ليس كلامي أنا بل جاء مؤخراً في بيان رسمي ل "التيار الوطني الحر"، الذي أسسه عون حيث جاء في البيان :  "إن تفاهمنا وتنسيقنا مع "حزب الله"، "لم ينجح في مشروع بناء الدولة" بعد مرور 15 عاماً على توقيعه.!"
وهذا يدلل على أن الهدف من هذا التحالف ليس لمصلحة الدولة اللبنانية إنما للوقوف بوجه التيارات السنية في لبنان وعرقلتها وعدم السماح لها باستلام زمام المبادرة وهذا بالضبط هو القاسم المشترك الذي حافظ على علاقة الفرقاء على الرغم من عدم انسجامهم  إيديولوجياً، وإلا ما السر وراء الإبقاء والمحافظة على علاقة فاشلة لمدة  15 عاماً .؟!
وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره فأنا لست متشائماً، إنما هي مرحلة تمحيصٍ للأمة لا بد منها وذلك لفرز الخبيث عن الطيب، والطالح عن الصالح. فالمرحلة المقبلة بحاجة إلى أسسٍ سليمة متينة خالية من الاختراقات كي تتمكن هذه الأمة العظيمة من النهوض مجدداً والوقوف حيث مكانها الطبيعي بين الأمم.

 

 

محمد علي صابوني

كاتب سوري

Whatsapp