نادي الحكّائين


 

ظهرت منصات التواصل الاجتماعي كمساحات حرة لإبداء الرأي، جعلتنا أكثر انخراطاً بقضايا الساعة، أحدث أشكالها هي منصة "كلوب هاوس" التي انطلقت منذ عام تقريباً، وانضممتُ إليها مؤخراً بدافع الفضول وحب التجربة، وقد أطلقت عليها اسم نادي الحكائين، كونها تتميز بإمكانية النقاشات الصوتية داخل غرف مفتوحة.  

إن هذا الشكل من الطرح بين محاورٍ يدير الجلسة وضيفٍ مختصّ وجمهورٍ يرفع يده ليسأل سؤالاً، يشبه إلى حد كبير البرامج الحوارية والندوات وإن بشكلها الافتراضي. 

في نادي الحكائين تتفاوت عناوين الغرف وتتنوع بين الجدّي والطريف والمتطرف، فلا سقف يحد النقاش أيّاً تكن الفكرة، ولا رقابة تفرضُ ما يقال وما لا يقال، الأمر الذي يخلق مستويات من الاختلاف أو الاتفاق أو التحزبات. بمتابعة سريعة ستكتشف انقسام المواقف بين مدافع ورافض، فهناك دائماً فريقان يناقشان فكرين متضادين، ظهر ذلك بين مجموعة المترحمين على رحيل ميشيل كيلو باعتباره أحد أهم رموز المعارضة السياسية، وبين الناقدين لبعض مواقفه وتصريحاته، أمام مفهوم النسوية فالخلاف واسع ومستمر لأن البعض يراها حركة نضالية لتحقيق حرية المرأة ونيلها حقوقها، ويرفضها آخرون جملة وتفصيلاً لأنها لا تتوافق مع المعتقدات الدينية والأخلاقية، ولم تكن فكرة الحوار مع شبيحة النظام بعيدة عن غرف النقاش، كذلك حرية المعتقد، وغيرها ...  

التنوع الفكري يلحق به اختلافات شخصيةً في طريقة الطرح، فهناك من يمتلك أسلوباً جاذباً ومنطقاً منظماً لتقديم أفكاره، فيجد من يستمع إليه أيا كانت قضيته، وهناك من يمارس التهجم والإقصاء، وشخصنة القضايا، فيخسر من حيث لا يدري تعاطف الموجودين حتى لو كان محقاً. 

الحوار في مفهومه وجوهرة العميق يتسع للتضاد، ليس الهدف منه تحقيق الانتصار، بل دفعنا نحو البحث والتفكير، وتكمن الاشكالية في كيف نقول ما نريد قوله! 

لنعترف أننا نجد صعوبة في التعبير عن أنفسنا، وهو أمر طبيعي كوننا شعوب مقهورة مارست علينا الأنظمة الديكتاتورية سياسة تكميم الأفواه لحقبة طويلة من الزمن، وأكملت علينا التراتبية الهرمية للولاءات في محيط  الأسرة والعمل والمدرسة، لتقضي على البقية الباقية من بناء شخصية قادرة على الاعتراض والدفاع عن وجهة نظرها، فنحن حديثو العهد بحرية التعبير، لم نتعلم الإصغاء في مساحات المكاشفة والجهر، ولا نمتلك أسلوب الحوار بأشكاله النموذجية، ولماذا نتقن كل ذلك إذا كان المطلوب منا أن نكون مهذبين ومطيعين وساكتين وراضين باعتبارها سمات حميدة!

الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة في إبداء الرأي فرصة للتعريف بقضايانا والدفاع عنها، لأنها صارت قادرة على التأثير أكثر مما تفعل آلاف المقالات والنصوص المكتوبة، بفضلها تحولت بعض الحوادث إلى قضايا رأي عام أثرت أحياناً في تعديل القوانين.

 الاستفادة من منصة قائمة على الحوار باعتبارها نافذة لانفتاح الوعي من الذاتية إلى الجمعية، وباعتبارها مساحة للصوت الحر دون قيود أو سلطة، تحتم استخدام منطق المحاججة، وتنظيم الأفكار قبل فتح الميكرفون واستلام دفة الحديث، أما الانفعال والحدّية، فليست أكثر من حرب دونكيشوتية لا تحقق نصراً ولا تترك أثراً. 

 

سوزان خواتمي

قاصّة وروائية سورية

 

Whatsapp