الرد المجدي على مسرحية الإنتخابات


 

المتابع لمجريات أحداث الانتخابات الأخيرة المزعومة لعصابات الأسد يلحظ لأول وهلة مدى التهافت والابتذال وخاصة في المرشحين المسند إليهم دور المنافسة لزعيمهم، ذلك لأن أي منهما لا يجرؤ على "اقتراف" أدنى فعل من تلقاء نفسه، ولا يصعب التكهن بوجود جهة تشرف على تقديمهم كمادة مغرقة في التفاهة والتناقضات، إضافة لكون تركيبة العصابة الأسدية تقوم على نفي وجود شخصية ثانية يمكن أن تشكل احتمالاً بسيطاً لأن تكون بديلاً، تأكيداً على وجود مسافة ضوئية بين شخص الرئيس الموجود في الحكم وأي شخصية سورية أخرى، موالية أو معارضة.

إننا نعتقد بأن عصابات الأسد تخشى تداول فكرة الديمقراطية قبل ممارسة العملية الديمقراطية نفسها، فهي لا ترغب بإجادة تمثيل عملية الانتخابات بدرجة مقنعة، على الرغم من تحكمها فيها بصورة مطلقة. لذلك فهنالك تعمُّد واضح للسخرية من فكرة الديموقراطية، ومن الانتخابات ذاتها، إنطلاقاً من وعي العصابة بأن دخول فكرة الديمقراطية وتداول السلطة إلى حيز الحياة العامة والفضاء السوري، ولو تمثيلاً، إنما يشكل تهديداً حقيقياً لوجوده. أي أنه، يدرك أن أول خطوة حقيقية وشفافة في ما يتعلق بالانتخابات وحق تداول السلطة، فإنها بذلك ستتحول، مع مرور الزمن، إلى حقٍّ للسوريين يمكن أن يبنوا عليه للحصول على حقوق أخرى وهذا سيفتح عليه أموراً كثيرة يصعب عدم تلبيتها، مما يمهد للإطاحة به. ولهذا فإن جل العملية الحالية تبقى في حيز "المكرمة" أو "العطاء" مثل سائر الأمور الأخرى في الحياة العامة.

بالرغم من كون صورة رئيس العصابة الأسدية قد تراجعت خلال السنوات السبع الأخيرة إلى نحو غير مسبوق، فصحيح أن الحماية الإيرانية ثم الروسية أعادتا إليه مناطق كانت قد خرجت عن سيطرته، ولكنه في المقابل ظهر تابعاً ذليلاً، وصُوّر في مشاهد مخصصة من قبل الإيراني والروسي لإهانته. ناهيك عن الدماء التي سُفكت على مذبح بقائه، والذي تبين للجميع بعدها الثمن الفادح لحرب التدمير والإبادة التي شنت، والمعنى الحقيقي لشعار "الأسد أو نحرق البلد".  إذ تجري هذه المسرحية في زمن من اللاستقرار، وزمن تقع أكثر من ثلث مساحة سورية خارج سيطرة ما يسمى مؤسسات الدولة، وتوجد فيه خمس قوات عسكرية أجنبية على الأقل في الأراضي السورية، والعديد من الميليشيات الأجنبية الطائفية. إضافة لكونها تجري معاكسة لمفردات قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر عام 2015، ودون أي رقابة دولية أو ضمانات حقيقية لنزاهتها أو شفافيتها، ودون وجود أي تمثيل للمعارضة السورية، بل وبالأدق، دون مشاركة نحو نصف الشعب السوري الذي يعيش في المنافي. مما قد يعني أنها تنسف أي حل سياسي محتمل، وتؤكد على أن العصابة الأسدية ماضية في تعنتها إلى ما بعد النهاية.

وإن كان البعض يعتقد بإن الهدف المتوخى من هذه "المسرحيته" الانتخابية، هو عبور عصابات الأسد إلى الشرعية الدولية، فإن تأكيدات المجتمع الدولي -حتى الآن على الأقل- في أنه لن يعترف بشرعية الأسد دون حل سياسي حقيقي، يقود إلى نظام ديمقراطي يضمن سلطة تداولية وعدالة انتقالية وتشاركية كاملة بين جميع السوريين. حيث أعلنت الولايات المتحدة وأوربا، أن الإنتخابات "مزيفة" و"لا تمثل الشعب السوري" ولن تكون حرة ولا نزيهة، ويجب إجرائها وفقاً لدستور جديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة، تمكن مشاركة اللاجئين والنازحين فيها وأن المجتمع الدولي لن يدعم أي مساعدات لإعادة الإعمار في غياب التقدم في تحقيق الإصلاحات السياسية التي دعا إليها القرار 2254.

تأتي هذه المسرحية الإنتخابية في وقت تعاني فيه المعارضة بهياكلها وشخوصها من انحدار شديد بجميع المقاييس، فالمفاضلة بينها وبين العصابة الأسدية، تعيد السؤال ذاته الذي يتجاوز إرادات السوريين، ويفترض وجود بديل ناجز ينبغي أن يطرح لاقتراع في انتخابات حقيقية. ولا يجب أن ننسى ما يهم القوى الدولية في هذه المفاضلة، وهي السيطرة الحقيقية لرئيس العصابة الأسدية على ماتبقى من وحدات عسكرية وقوى أمنية، في ظل إنعدام أي نفوذ لقوى المعارضة ومؤسساتها حتى على القوى المسيطرة على ما يسمى بالمناطق المحررة. ناهيك عن أن هيئة التفاوض، التي تُعتبر الجهة الممثلة رسمياً للمعارضة لدى المجتمع الدولي، ما تزال حتى اللحظة معطلة بسبب الانقسامات التي تعاني منها، الأمر الذي تسبب بعدم صدور أي موقف رسمي منها حتى الآن تجاه انتخابات العصابة الأسدية، وسبل الرد عليها.

في ذات الوقت تتجلى بشكل واضح حالة الفوضى والعجز للاجئين السوريين في أوروبا وتركيا، وحتى لبنان والأردن، مع شيء من النجاح لما تم في الولايات المتحدة، وهم نسبة قليلة بالمقارنة مع اللاجئين في المناطق المذكورة، وخاصة بعدم الإستفادة من التجربة الفلسطينية بعد المظاهرات الصاخبة وتأثيرها على النخب والرأي العام الدولي إثر العدوان الصهيوني الأخير على غزة. لذلك إذا لم يتم العمل على تنظيم اللاجئين والاستفادة من طاقاتهم، فإننا قد نخسر معركتنا مع عصابات الأسد. مع ضرورة عدم التعويل، على احتمالية سقوط النظام نتيجة الواقع الاقتصادي المتردّي. فنحن بحاجة إلى أداة منظمة ومؤثرة وفاعلة، تُبرز قدرات السوريين ونضالهم في سبيل وطن حر وديمقراطي، وتستطيع إقناع العالم بامتلاكنا مشروع سياسي حداثي نستحق أن نعطى الفرصة لتحقيقه.

في ذات الوقت فإن أهلنا في الداخل وخاصة في السويداء ودرعا عادوا يسطرون شعارات الثورة من جديد حيث شهدت هذه المناطق خلال الأيام القليلة الماضية، عملية تشويه لعدة صور تعود للأسد، وسط رفض القيادات المجتمعية، وحتى الدينية إضافة إلى تيار واسع من المجتمع لطرح إعادة انتخاب الأسد، وما تم من مظاهرات في درعا تحت شعار (لا مستقبل للسوريين مع القاتل)، إنما تعطي زخماً للمناطق المحررة والخارج عن سيطرة العصابة الأسدية بأن قوى الرفض المجتمعي لاستمرارية العصابة الأسدية في التمتع بحماية من بعض القوى الدولية يمكن تغييره، بالمزيد من العمل على بدائل ذات مضامين أكثر ديمقراطيةً وإنسانية، وعندها فقط، تكون قوى الثورة قد أثبتت تفوّقاً أخلاقياً على نظام الطاغية، جديراً باحترام المجتمع الدولي ودعمه وتأييده.

 

 

د.م. محمد مروان الخطيب

كاتب وأكاديمي سوري

 

Whatsapp