ليست الفكرة أن أخترع حالة تفاؤلية لا تستند إلى حيثيات أو معطيات قوية تشير إلى بداية العدّ العكسي لنهاية مرحلة عصيبة طحنت الشعب السوري على مدى عقد كامل من الألم والدم عندما فتح العالم بوابة حظيرة الوحوش وأفلتهم على الشعب السوري لينهشوا كلّ من وقف بوجه وكيلهم وقال لا.
حينما يصرّ نظام بشار الأسد على المضي في الإنتخابات دون أن يأبه بالمعاناة الرهيبة للشعب السوري في المنافي وحتى في المناطق التي تقع تحت سيطرته بما فيهم حاضنته وشبيحته، وهو العاجز تماماً عن تأمين أبسط متطلبات الحياة لهم من كهرباء وماء وخبز بالإضافة إلى حالة الفلتان الأمني التي تقضّ مضاجع الجميع بدون استثناء، ورغم التحذيرات الدولية له وخاصة أميركا ودول الإتحاد الأوروبي بأن الإنتخابات غير شرعية ولن يعترفوا بها.
عدم الإعتراف بالإنتخابات من قبل الغرب له تبعاته السياسية والدبلوماسية، ستفرض على الغرب ترجمة ذلك إلى خطوات عملية ستؤدي إلى مزيد من العزلة ومزيد من العقوبات، وقد تدفع هذه الخطوة بمجلس الأمن إلى إحالة الملف السوري ووضعه تحت البند السابع باعتبار الإنتخابات الرئاسية هي إجراء يتناقض تمامًا مع القرار الأممي (2254) والقاضي بضرورة تشكيل حكومة إنتقالية ذات صلاحيات كاملة تقود العملية السياسية في البلاد للعودة إلى الإستقرار وتنتهي بإنتخابات رئاسية ديمقراطية.
في ظلّ عناد النظام وتمترسه وراء النصر الوهمي مدفوعاً من الجانب الإيراني والروسي، دون التفكير بتبعات هذا العناد وقبوله بأن يكون مجرد ملفّ تفاوضي بيد إيران لمصلحة ملفّها النووي، وبيد روسيا لمصالح متعددة تبدأ بالمياه الدافئة وتنتهي عند قضية جزيرة القرم والدرع الصاروخية لحلف الناتو في أوكرانيا.
في اللحظة التي قرر فيها المجرم بشار الأسد الإقدام على خطوة الإنتخابات، أصبح بمثابة من أطلق على نفسه النار إذ إن العالم لن ينتظر سبع سنوات أخرى لإعادة الإعمار ولن يقبل تنفيذ المشروع بوجود الأسد، وسيضطر الغرب إلى إغلاق سفارات النظام وطرد الدبلوماسيين من بلادهم، وماتعنيه تلك الخطوة من تجفيف لمنابع تمويل النظام الذي يعتمد على واردات تلك السفارات من تجديد جوازات السفر ودفع بدل الخدمة الإلزامية والعديد من المعاملات التي تؤمن له العملة الصعبة التي خلت من بنكه المركزي.
إنّ قرار ألمانيا بمنع إجراء الإنتخابات على أراضيها قد يفهم كرسالة "تحذيرية" للأسد من مغبة الإستمرار بهذه المسرحية، وكذلك قرار تركيا المماثل، ولكن لعلّ المشهد الذي حصل في لبنان يجعلني أتمنى لو لم يحصل المنع، ولكنّا شاهدنا ذات المشهد الذي حصل في لبنان وكلّ التقارير تؤكد أن نسبة المشاركين لم تتجاوز 5% وأنّ معظمهم وفدوا من "جبل محسن" وهم ـ كما هو معروف ـ من السوريين الحاصلين على الجنسية اللبنانية خلال فترة وجود النظام في لبنان، وهذا ما أكّده النائب اللبناني السابق خالد الظاهر. ناهيك عن موقف الشارع اللبناني الذي قام بتحطيم السيارات التي كانت تحمل صور بشار الأسد وقد نعتوه بالقاتل والمجرم، وطالبوا بترحيل كل من جاء إلى السفارة ليدلي بصوته، وهذا ما طالب به قائد " القوات اللبنانية" سمير جعجع عبر بيان رسمي وجهه لرئاسة الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال والجهات المعنية بضرورة تنظيم لوائح بأسماء السوريين الذين شاركوا بالتصويت للعمل على ترحيلهم إلى سورية.
إنّ المشاركة بالإنتخابات في أكبر التجمعات للاجئين خارج سورية وأقصد ألمانيا وتركيا ولبنان قد تكشف للعالم نسبة الموالين للنظام وأن معظمهم عبارة عن مخبرين أرسلهم النظام لمهمة التجسس على السوريين المعارضين كما هو حال المدعو ( أنس .أ) الذي اعتقلته الشرطة الهولندية، كما أنّها ستفضحهم أمام السوريين الذين نظموا وقفات احتجاج قبالة السفارات السورية ووثّقوا بالصور كلّ من جاء إلى السفارة ليدلي بصوته، وستعمد المنظمات الحقوقية على رفع دعاوى ضدّهم لإسقاط صفة اللجوء عنهم وطردهم من البلاد.
قد لا نتفاجأ في الأيام المقبلة بعودة القضية السورية إلى الواجهة وتفعيل قانون قيصر بشكل كبير، وتصاعد الأصوات المطالبة بمحاسبة مجرمي الحرب وضمان عدم إفلاتهم من العدالة، كما فعل أعضاء البرلمان الأوروبي عندما وجهوا رسالة بتاريخ 21 مايو/ أيار الفائت تطالب الاتحاد الأوروبي بخطة عمل ضدّ الإفلات من العقاب مع تدابير ملموسة لكل من الضحايا ومجرمي الحرب.
ياسر الحسيني
كاتب سوري