عنقاء فلسطين


 

هيهاتَ أن تمرّوا 

مُرّوا إذاً على جموعِنا 

أجسادِنا

أرواحِنا 

ولتعبروا من دمِنا

الطوفانَ والمراكبَ المروَّعَة 

وتشبعوا من قتلِنا

ومن دمارِ شعبنا وأرضنا 

---

 

لن تعبروا..

وكلّ ذرّةٍ من الرّمالِ والترابِ في دمائنا 

وكلّ لقمةِ المرارِ في حلوقنا

وكلُّ طفلةٍ وشجرَةٍ زيتونَ عند بابنا

وجفنةٍ في كَرِمنا

وكلُّ ساحةٍ وحارةٍ وبيتْ

تلعنكُمْ، تلعنكُمْ

نظلّ كالعنقاءِ في أحلامكم 

نموتُ.. لا نموتُ

ليس ذلك السؤالْ

بل نموتَ كيْ نعيشَ

إمّا عهدُنا الحياة

---

منْ يخاف من؟

تلك حكمةٌ الوجود والأبد

وتلك حكمة السلام والغرام 

لعاشقِ الترابِ

ويزرع الزيتونَ والريحانَ واليمام

 

الخوفُ في قلوبِكم

والذلُّ في وجوهِكمْ

والعارُ في رؤوسِكمْ

والمينُ في عيونِكمْ

مؤبّدٌ مستوحشٌ بالكُرهِ والبهوت

نموت لا نموت

---

سبعونَ دهراً.. سنةً ونيّفٍ

يحضنُكمْ عولَمَكُمْ بِريعِهِ 

ولمْ تَعيشوا عيشَنا

لمْ تَعرفوا الشّتاتَ واللجوءَ

والخيامْ 

لمْ تعرْفوا الجحيمَ والجليدَ والرّمضاءَ في صيفٍ ولا شتاء

لمْ تأكلوا الزّوان والهالوكَ والصوّان..  

ولمْ تناموا مثلَنا في الدّلْفِ والشقاء

ومنذُ نكبةِ الضياعِ

نشدّها أحلامَنا

نشدّها مفاتِحَ بيوتِنا

بلهفةِ الحنين 

سَنُرجعُ البيوتَ والدّيار

نقولُها غداً نعودْ 

ونطحنُ الزجاجَ والحديدَ

وننشئ الأولادَ أقوياءَ كالدّرْدار

الرّوحُ فلسطين

والأرضُ فلسطين 

على اسمِها

لعرسِها وعزّها

سنابلُ الجنون والفداء

---

فهلْ عرفتمُ الشقاءَ مثلَنا  

وهلْ عرفتمْ سرّنا وبأسَنا 

سبعونَ عمراً سنةً وحربِ كم لا تنتهي. وألفُ حربٍ بعدَها   

بغدرِكم وغِلّكُمْ لا تنتهي

نموت كي نعيش

لا نموتُ كي نموتْ 

---

 

لتحشدوا الجيوشَ والطاعونَ والمضبّبَ الأسودَ والأحقادَ في زحوفِكم 

فأرضُنا ولّادةٌ

وشعبنا يرجمكم بحاصبِ

الحجارة   

والقدسُ سدّها العظيم بين الأرضِ والسماء

يفجّ في عيونِكمْ يمنعكُمْ

والأرضُ في مدادِها وروحِها تلعنكمْ

نموتُ كي نعيش

مرّوا إذاً بقتلِنا وعَرْبدوا

  ---

 

مرّوا على أجسادِنا

مرّوا على أرواحِنا

مروا على أطفالنا   

بجيشكمّ جحافلاً.. قوافلاً.. 

سلاسلاً للموتِ والقيامة   

وقبّةً حاميةً من هجمةِ الكرامة  

كأنّما الفناءُ والرجيم والحتوف 

وكلْ معجزاتِكمْ لموتِنا

ونصرِكمْ أتنتهي

لا تنتهي

---

 

لو معجزةُ العوالم والعواصفُ المدمّرة 

من فوقِنا.. من تحتِنا.. من حولنِا لو أطبقتْ ألفُ سماءٍ وسماءْ بأمرِكم

وزلزلتْ زلزالها الأرضُ بنا

وهدّمتْ بيوتُنا وزَرْعُنا وعيْشُنا

وسوّرتْ بالمرّ والنيرانِ والجدار

أرواحُنا وبحرُنا بأمركم

وأمرِ منْ أطلقكم بخطفةِ الجحيمِ والعماءِ والخراب

تُرى تمرّوا 

مرّوا إذاً.. هيهيييييييي 

هيهاتَ 

لنْ تمرّوا.

 

حسان عزت

شاعر وكاتب سوري

 

 
Whatsapp