القدس في قبضة التنين والافعى


 

لم يعرف التاريخ شعبا" أقوى وأعظم من الشعب الفلسطيني. هذا القول لأحد أباطرة ألمانيا. هذا الشعب الذي وقف بوجه أكبر قوة استعمارية غاشمة يقاوم الدبابة والطائرة والمدفع والبندقية جاعلا" صدره درعا" حصينا. هذا الشعب الذي خذلته الأمة التي ينتمي إليها ويدافع عن مقدساتها وكرامتها.

حكام العرب نائمون، كأن فلسطين هذا الجزء الغالي من الوطن العربي لا يهم زعماء العرب، وابناء فلسطين يقدمون ابناءهم في أتون المعركة.

تجمع شذاذ الأفاق من كل حدب وصوب ليؤسسوا دولة لهم ويحققوا حلمهم. وإسرائيل ترفع على الحديد قلاعها وابناء فلسطين يرفعون بالرفاة حديدا.

وهكذا تحققت أماني المستعمر الإنكليزي الغاشم الذي منح يهودا عطفه وقضى على شعب أمين.

باعوك يا وطني وباعوا في ثراك دم الشهيد

وعلى الجريمة أسدلوا عار الخيانة والجحود

والله لو تمسك العرب والمسلمون في بلاد العالم بقرآنهم الكريم وبتعاليم نبيهم لما استطاعت إسرائيل ان تأخذ شبراً من فلسطين.

ومحمّد شرع لهم سبيل الحق فأضاعوا شرعه السامي فضاعوا

فشعوب العالم توحد ما بينها وشعبنا على نفسه منقسم.

وطن يعيث به الطغاة كما يعيث به بنوه فسادا وقتلا وتخريباً.

عاشوا على أشلائه فتقاسموه ومزقوه

بالأمس فتحوا العالم حتى وصلت جيوشهم الى بواتيه في فرنسا وأسسوا دولة من أعظم الدول دولة الأندلس ولو قدر للعرب إبان الحكم العباسي أن يضع المنصور يده في يد البطل عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) لأصبح البحر المتوسط بحيرة عربية. ومن قبل دوخوا العالم ببطولاتهم وانهارت روما والمدائن تحت ضرباتهم وقضوا على أكبر دولتين في ذلك العصر دولة روما وفارس ودانت الدولتان للأمة العربية آنذاك.

كسرى وقيصر دانا في الوغى وهما ...سيفا إباء لغير العرب ما دانا 

أين نحن اليوم من الكماة الفاتحين وفرسان الطراد أمثال المثنى بن الحارث الشيباني وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة بن الجراح وطارق بن زياد وموسى بن نصير. هؤلاء القادة العظام الذين دوخوا العالم ببطولاتهم وفتوحاتهم واليوم أصبح الوطن العربي لقمة سائغة لأعداء العرب وشذاذ الآفاق من اليهود والمجوس الفرس والمستعمرين الغربيين.

هذا الوطن العربي الذي كان منارة وكانت أوربا ودول العالم تخافه وتحسب له ألف حساب أصبح اليوم ممزقاً يتلقى الضربة تلو الضربة وأخذ ينحسر بعد امتداده الواسع فأضاعوا الأندلس عندما بدأ التفرق بينهم وتكالبهم على الحكم واشتغالهم بالملذات والنساء كما أضاعوا فلسطين واستولت إيران على الأهواز واستولى اليهود على فلسطين والعرب يتفرجون. تسمع منهم ومن زعمائهم جعجعة ولا ترى طحنا.

أبواقهم الملطخة بالخزي والعار تسبح خلف دولار جديد. ولقد عبر عن وضع العرب أصدق تعبير الشاعر المصري محمود غنيم بقوله: 

يا للعروبة كان الكون مسرحها = فأصبحت تتوارى في ثناياه

كم صرفتنا يد كنا نصرفها = وبات يحكمنا شعب حكمناه

وسل خلف بحر الروم عن عرب = بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا

وانزل دمشق وسائل صخر مسجدها = عمن بناه لعل الصخر ينعاه

وطف ببغداد وابحث في مقابرها = عن امرئ من بني العباس تلقاه 

وهنا تتوقد أعصاب الإنسان العربي وتهيج مشاعره وتعود به الذكرى الى الأمس البعيد.

إني تذكرت والذكرى مؤرقة = مجدا" تليداً بأيدينا أضعناه 

وعندما دخلت فرنسا سوريا بجيوشها الجرارة وأسلحتها الحديثة بقيادة الجنرال غورو الأعرج، وجاءت معه حاملات الحقد والبغض للشعب العربي المسلم، نكز قبر صلاح الدين الأيوبي برجله وقال ها قد عدنا يا صلاح الدين. 

غوروا تجيء صلاح الدين منتقما" = مهلا" فدنياك أحلام وأوهام 

فصلاح الدين الأيوبي رحمه الله أوقف الغزو الأوربي وانتصر عليهم انتصاراً ساحقاً كأنّه وجنوده يعنيهم الشاعر: 

كأنك قائد فيهم هضابا تبعنا الى الوغى جبلا منيعا

ولله در البطل قطز المملوكي الأصيل الذي رفع راية القرآن وانتصر على جحافل المغول انتصاراً ساحقاً في معركة عين جالوت وسجل انتصاره بأحرف من نور.

الشعب العربي اليوم ينتظر بفارغ الصبر ظهور ثائرٍ أو فارس عربي يأتي بأفكار صلاح الدين وإيمانه وقلبه ويؤم الساح قواضباً ورماحا ويحصد يهود البغي حصداً ويحرر القدس من قبضة التنين والأفعى وما النصر إلا من عند الله.

 

 

عاصم فرجاني  

شاعر وكاتب سوري

 

Whatsapp