قصيدتان 


 

  1. ترنيمة المطر

دافئةٌ وجميلةٌ 

كفِراشٍ وثيرٍ 

من ريشِ النَّعامِ 

كموقدِ نارٍ رخاميٍّ 

تتأجَّجُ النَّارُ داخَلَهُ 

بحُلمِ طِفلةٍ 

تتوسَّدُ حجراً في العراءِ 

والفصلُ شتاءٌ 

كقوسِ قُزحٍ 

ديدَنهُ البياضُ 

بلونِ الفراشاتِ 

تصفِّقُ بأجنحتِها 

بينَ سوقِ القصبِ 

تهربُ بعيداً  

تطاردها زُمرُّدتانِ 

متلألئتانِ بالدَّهشةِ 

لطفلةٍ بضفائرَ ذهبيَّةٍ  

وضحكةٍ تشبهُ شقشقةَ الضوءِ 

أَبانَ الفَجرِ 

كزقزقةِ عصفورٍ صغيرٍ 

لم يعرفْ قلبُهُ سوى البياض 

قبلَ أن تنقضَّ عليهِ الغربانُ السودُ 

وتفقأَ عينيهِ 

فيفقدُ الزُّمرُّدُ بريقَهُ للأبدِ 

كشعاعِ الشَّمسِ  

في مدنِ الضَّبابِ البعيدةِ 

يؤذِّنُ للصَّلاةِ 

تسجدُ القلوبُ لدفءِ النُّورِ 

وتتفتَّحُ أزهارُ الرَّبيعِ 

تغرِّدُ قُبَّرَةٌ عندَ حافَّةِ السِّياجِ بحزنٍ

لأقحوانةٍ ستكونُ بعدَ قليلٍ 

غذاءً لعصفورٍ سجينٍ عندَ نافذةِ الدَّارِ 

وقبلَ المغيبِ الأخيرِ 

كأزهارِ البنفسجِ 

تتمايلُ في تواضعٍ 

تنحني للرِّيحِ كي لا تكسرُها 

قبلَ الأوانِ 

تعزفُ معَ الفضاءِ 

لحنَ الوفاءِ والخلودِ 

تزهو وتقطرُ بالنَّدى 

حينَ تُجلِّلُ نعشَ شهيدٍ 

وترافقُهُ إلى مثواهُ الأخيرِ 

لتكونَ سماءَ قبره  

وأنيسَهُ في ظُلمةِ اللَحْدِ الطَّويلةِ

كخريفٍ طويلٍ 

تعاقبَتْ عليهِ السُّنونُ 

ونسيتْهُ الفصولُ  

تساقطَتْ أوراقُهُ 

على حافَّةِ أُمنيةٍ بيضاءَ 

النُسغُ فيهِ زُهدٌ وحُلمٌ 

لقدِّيسَةٍ تسكنُ محراباً بعيداً 

تؤدِّي صلاتَها الأخيرةَ 

بخشوعٍ 

قبلَ أنْ ترفع قضيتَها لربِّ السَّماءِ:

       عيناكَ يا وطني!!

 

  1. هوامشُ أيَّامنا ...!!

 

رأيت الموت يجلس على حافة الرصيف

عابساً.. يعقد ما بين حاجبيه

ونحن صغارٌ لا يستر عرينا 

إلا الزغب الذي يمنحنا رغم شحه 

نعمة الدفء في خضم معاركنا 

مع أقراننا والطفولة المشتهاة

على جفن الحلم الذي يفيض بالأمل

   نتداول الضحكات المجلجلة

ونتسابق على قارعة الطريق

----

 

قالت أمي:

" اقذفوه بالنرد "

" خادعوه "

فلا يقترب من ألعابكم

   ولا يسرق أيامكم

وحين قذفناه بالنرد 

ألقى عليه وعلينا نظرة حانية

   "ابتسم.. ثم رحل ...!!"

نرد أمي لا يشبه أي نرد آخر

هو أبيض في كل وجوهه

"مثل قلبها ...!!"

   لا دوائر سوداء

ولا أحلام مسلوبة

----

 

ينهض الموت بعد دهر 

يستند على عكازه بقسوة

ظهره المحني لا يمنحه فرصة 

للَّحاق بأحد

    يتخبط بشكل عشوائي

يقذف بعكازه هنا وهناك

    فإذا أصابت أحدهم

(إبتسم .. ثم نام في هدوء)

فنضحك حين ذاك

ونلوح له من بعيد ...!!

----

شديدو الهلع نحن الآن 

نحث الخطى 

نلهث فوق حصى الدروب

نتدافع.. حتى انقطاع الأنفاس

باغتتنا عودة الموت 

   "وقد اشتد ساعده"

    " الموت عاد شاباً "

    ويلحق بالجميع

فقدنا نرد أمي الناصع البياض

وفقدنا معه ذاك الأمان 

الذي كنا نرتع في ظلاله

    والسلام ...!!

----

    أيامنا كعجلة (الروليت)

   تدور.. وتدور.. بسرعة رهيبة

وأنفاسنا المعلقة عليها

     فيما يشبه مخاض الاحتضار

عيوننا الجاحظة تبتهل 

    في خوف وخشوع

فكلما توقفت لحظة

"نالت واحداً منا"

مقامرة هي حياتنا وأيامنا

وعيوننا معلقة على الجادة الضيقة 

هناك.. حيث تحمل ظباء بيضاء

أرواحاً ما عرفت إلا البياض

فتأخذها من معبر النور

حيث الطرق الواسعة

والمروج الخضراء

إلى الفردوس الموعود

الحياة ترهبنا كثيراً

ونحن على قيد الانتظار

كلما زرعنا غصن زيتون

حطمته عاصفة الرحيل الهوجاء

ما عاد يرهبنا الرحيل 

والموت بات محراباً 

"لصلاة النجاة والخلاص"

 

 

افتخار هديب

شاعرة سورية

Whatsapp