بقدم واحدة وعكازين يسير الطفل أحمد إلى مدرسته كل يوم، أملاً باستكمال دراسته، بعد أن فقد الأمل بالعودة إلى حياته الطبيعية واستعادة قدرته على المشي دون عكازيه، والركض واللعب مثل أقرانه.
الطفل أحمد المنحدر من بلدة جرجناز، هو أحد المصابين في إدلب الذين تركت الحرب أثرها على أجسادهم وحياتهم، فوجدوا أنفسهم ضحية للإهمال وضعف الرعاية الصحية، وغياب الجهات التي تدعمهم وتهتم لأجلهم، وتتنوع إصاباتهم بين بتر ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ أو ﺍﻟﺘﺸﻮﻫﺎﺕ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ أﻭ الشلل ﺃﻭ ﺗﻌﻄﻞ الوﻇﺎﺋﻒ الحيوﻳﺔ .
أحمد الخالد (12 عاماً) يستذكر إصابته وعن ذلك يقول: "سمع المعلمون هدير طائرة مروحية حين فتحوا باب المدرسة، وطلبوا منا الانصراف، فمشيت مع مجموعة من زملائي في طريق منزلنا، وفجأة سمعنا صوت صفير برميل متفجر، فشعرت بالخوف والارتباك، وماهي إلا لحظات حتى سقط على بعد 20 متراً تقريباً من مكان وجودنا، الأمر الذي أدى إلى وفاة اثنين من زملائي وتسبب ببتر قدمي ."
ويشير أحمد إلى أنه نزح بعد تلك الحادثة مع أسرته إلى قرية باريشا بريف إدلب الشمالي، ولكن الإصابة قضت على مستقبله، مؤكداً أنه استطاع الحصول على طرف صناعي من إحدى الجمعيات الخيرية، إلا أنه لم يساعده على المشي، بسبب ارتفاع مكان البتر وحاجته لمفصل صناعي، لم يتمكن والده المسن والعاطل عن العمل من تأمين تكاليفه .
كما يعاني ﺍﻵﻻﻑ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺑﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ من الفقر والنزوح، ومحدودية فرص العمل، وعجزهم عن إعالة أسرهم .
عوض النجم (35 عاماً) النازح من مدينة خان شيخون، إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، يشكو بعد الإصابة من عجزه عن العمل بمهنته السابقة في البناء، إلى جانب ما يقاسيه في حياة النزوح والتشريد، وعن ذلك يقول لإشراق: "تعرضت لشظية قذيفة أصابت عمودي الفقري، وأدت لإصابتي بالشلل، فأصبحت أستعين بكرسي متحرك في الحركة ."
يشير النجم إلى أن عجزه عن إعالة أولاده الأربعة هو أكثر ما يؤلمه، والاعتماد على عمل ولديه البالغين من العمر 10-12 عاماً في تأمين متطلبات المنزل. ويضيف النجم: "تشكل الإعاقة في ظل النزوح معاناة مضاعفة، حيث أعيش في مخيم عشوائي وأجد صعوبة كبيرة في السير بطرقات المخيم الوعرة ."
وتقع الإعاقة على النساء بشكل أقسى وأصعب، لأن المرأة تتحمل في الحياة مسؤوليات كبيرة، قد لا تستطيع النهوض بها مع وجود إعاقة في جسدها، فالمرأة ليست مسؤولة عن نفسها فقط، بل عليها أن تعتني بمن حولها من أفراد أسرتها.
أم يامن (31 عاماً) نازحة من مدينة معرة النعمان إلى مدينة الدانا، تعرضت للإصابة بشظية قذيفة من قبل حواجز نظام الأسد المجرم على منزلها منذ سنتين، ما أدّى لبتر يدها، وفقدان البصر بإحدى عينيها وعن ذلك تقول: " أصبحت فجأة امرأة معاقة لا أمل لديها في الحياة، أعتمد على الآخرين في تدبير شؤون منزلي، والاهتمام بأطفالي الثلاثة ."
تؤكد أم يامن أن زوجها تعاطف معها في البداية، ثم ما لبثت أن شعرت ببرود مشاعره تجاهها، ولم تتفاجأ حين سمعت بخبر زواجه من امرأة أخرى، مؤكدة أنها تركت منزل زوجها، وانتقلت مع أطفالها للعيش في منزل أهلها، وتضيف: "المرأة حين تتعرض للإعاقة لا يكفيها الألم الذي تلاقيه فحسب، بل تعاني من نظرة المجتمع لها، بالشفقة حيناً والتهميش أحياناً، وكأنها يجب أن تموت قبل أوانها أو تصبح مثل أي شيء جامد لا دور لها في هذه الحياة ."
كما تواجه فئة المبتورين مصاعب وتحديات كبيرة للحصول على الأطراف الصناعية نتيجة ترﺍﺟﻊ ﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺨﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻰ بشؤونهم ﺟراءﺀ ﺷﺢ ﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻞ، ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻠﺰﻣﻬﺎ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﻭﺗﻌﻮﻳﻀﺎﺕ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ .
فؤاد الكيال(45 عاماً) من مدينة إدلب، فني أطراف صناعية يتحدث لإشراق بقوله: "يواجه مصابو الحرب مصاعب جمة جراء قلة مراكز الأطراف الصناعية والعلاج الفيزيائي ونقص حاد في الكوادر الطبية المتخصصة والتجهيزات المتطورة، مما يحرم الكثيرين من الشفاء، ويحول العديد من الإصابات إلى إعاقات دائمة ."
ويشير الكيال إلى أن ﺗﻜﻠﻔﺔ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻃﺮﻑ ﺻﻨﺎﻋﻲ ﺑﺪﺍﺋﻲ تتراوح بين 500- 800 ﺩﻭﻻﺭ أميركي، وهو مبلغ كبير بالنسبة للأهالي الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر جراء شح فرص العمل وتردي الأحوال المعيشية .
ويشير الكيال إلى حاجة هذه الفئة المهمشة للرعاية الصحية والتأهيل المهني، وتدريبهم على أعمال تكون وسيلة إعالة لهم في معيشتهم، للخروج من عزلتهم، ومساعدتهم ليكونوا كوادر فعالة في المجتمع، إضافة إلى دعم مراكز الأطراف الصناعية والعلاج الفيزيائي للمصابين نتيجة الحاجة الماسة خاصة مع ارتفاع أعداد المصابين بالفترة الأخيرة.
ﻭيشير ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺑﺪﺍﻳﺔ عام 2018 ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ 30 ﺃﻟﻒ ﻣﺼﺎﺏ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ في سورية ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻗﺪ ﺧﻠﻔﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺻﺎﺑﺎﺕ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻭﻧﺼﻒ ﺍﻟﻤﻠﻴﻮﻥ ﻳﻌﺎﻧﻮﻥ ﺇﻋﺎﻗﺎﺕ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﺃﺻﻞ 3 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺷﺨﺺ ﺃﺻﻴﺒﻮﺍ ﻣﻨﺬ عام 2011 .
يشكل الجرحى والمصابون الحلقة الأضعف في ظل الحرب السورية، دفعوا في دروبها أثماناً باهظة، دون أن يجدوا من يخفف آلامهم، ويضمد جراحهم، ليجدوا أنفسهم مجبرين على تحمل أوضاعهم ومعاناتهم المضاعفة .
سونيا العلي
كاتبة وصحافية سوري