أدت الحاجة الملحة لمواد البناء في الشمال السوري إلى انتشار المقالع الحجرية التي تعمل يومياً على تفجير الصخور في الجبال، لإنتاج الرمل والحجارة، وتعتمد في عملها على مبدأ طحن الحجارة المستخرجة من الجبال وتحويلها إلى مواد للبناء، وينتج عن ذلك انتشار الغبار الذي يشكل خطراً على حياة المقيمين في المنطقة، والنازحين في المخيمات القريبة منها، وخصوصاً الأطفال، إلى جانب أصوات الآليات وحدوث تصدع في طبقات الأرض، وتساقط الحجارة على جوانب الطرقات أثناء عملية النقل والتوزيع، مما يؤدي إلى تلوث المنطقة بهذه المواد .
مخاطر على السكان
معظم المقالع في إدلب لا تخضع لشروط السلامة، مما يتسبب بحدوث الانهيارات الحجرية، وتطاير الحجارة أثناء التفجيرات إلى مسافات بعيدة أحياناً، ووقوعها على الطرقات العامة، أو بالقرب من المخيمات، مما يهدد حياة الأهالي بالخطر، كما يعتبر الضجيج والأصوات العالية الصادرة من الآلات من أسباب الأمراض السمعية، أما الغبار والأتربة المتطايرة فتسبب العديد من الأمراض التنفسية مثل الربو وضيق التنفس والأزمات الصدرية والتهاب العيون والجلد، كذلك يتخوف أهالي المنطقة من حدوث الانفجارات داخل المقالع، كما حدث في قرية “باتنته” بريف إدلب الشمالي، بتاريخ 16 من شهر حزيران/يونيو من العام الماضي، ونتج عن ذلك إصابة 23 مدنياً بحروق، بعضهم ُنقل إلى تركيا بحالة خطرة.
كما قتل خمسة مدنيين وأصيب آخرون بجروح بتاريخ 11 آذار /مارس من العام الحالي إثر انفجار وقع في «مقلع حجر» غربي مدينة إدلب، وذكر الدفاع المدني أن الأشخاص الخمسة قتلوا نتيجة انفجار مواد تستعمل في عمليات تفجير الصخور.
الشاب علي الفيلوني (29 عاماً) نازح من مدينة معرة النعمان إلى مخيم عشوائي بريف إدلب الشمالي، وهو واحد من عشرة عمال في مقلع ببلدة كفرلوسين، كاد أن يفقد حياته أثناء عمله، وعن ذلك يتحدث لإشراق بقوله: "أثناء العمل في المقلع حدث انزلاق كتلة صخرية كبيرة، وبينما كنت مشغولاً بالعمل، سمعت فجأة صراخ العمال لأنتبه في اللحظة الأخيرة، وحين ابتعدت قليلاً، سقطت إلى جانبي ."
يؤكد الفيلوني أن عمله في المقلع هو مصدر الرزق الوحيد بالنسبة إليه، رغم المتاعب والمخاطر التي تواجهه كل يوم، ولكن شح فرص العمل تجعله يرضى بأي عمل يعيل به أسرته .
أم ابراهيم (36 عاماً) نازحة من مدينة سراقب وتقيم حالياً في مخيم على أطراف بلدة دير حسان، تشكو من كثرة المقالع الحجرية في مكان سكنها، مما تسبب بإصابة ولدها الصغير بمرض "الربو التحسسي" وعن ذلك تقول: "أقيم في هذا المخيم منذ سنة، ولا قدرة لدي على استئجار منزل بعيد عن الغبار والضجيج، كما زادت معاناتي حين أصيب ولدي البالغ سنتين من عمره بمرض الربو، نتيجة الغبار الكثيف المنتشر في المنطقة بشكل يومي ."
وتضيف أم ابراهيم: "الضجيج وأصوات الآلات تؤرقنا وتأخذ علينا أنفاسنا، من الصباح وحتى المساء، إضافة إلى الغبار الكثيف الناتج عن عملية طحن الصخور وإنتاج الرمل والبحص ."
أضرار بيئية
لا تقتصر أضرار المقالع على البشر بل تهدد الأراضي الزراعية والبيئة من تربة وغطاء نباتي، يوضح ذلك المهندس الزراعي حسان الأحمدو (40 عاماً) من مدينة إدلب متحدثاً لإشراق بقوله: "تشكل المقالع خطراً على البيئة، حيث تقتلع الغطاء النباتي، وتؤدي إلى انحسار رقعة الأراضي الرعوية والزراعية، وتعيق التنوع الحيوي، كما تسهم في تصدع وتشقق المباني المجاورة ."
ويلفت إلى أن الغبار المتطاير من المحاجر يساهم في تغيير الخصائص الكيميائية للتربة في المناطق القريبة منها، وتقلص المساحات الخضراء والحراجية والزراعية، وتعتبر المقالع أيضاً سبباً رئيساً في زيادة الآثار السلبية التي تتسبب بالقضاء على التنوع الحيوي، وتغيّر تضاريس البيئة الطبيعية، كما أن إزالة الصخور الصلبة عند إقامة المقالع يساعد في فقد التربة لوقايتها ضد عمليات الانجراف المائي والريحي، مما يؤدي إلى تزايد آثار السيول الجارفة التي تتعرض لها المنطقة في موسم سقوط المطر.
يشير الأحمدو أن وجود وانتشار المحاجر بالقرب من المناطق السكنية يسبب أضراراً عديدة على السكان والبيئة، مؤكداً على ضرورة تقيد أصحاب المقالع بشروط السلامة العامة، منها إبعاد المقالع عن المناطق المأهولة بالسكان، وتحديد ساعات العمل، وفرض التدابير الوقائية على المواد المستخدمة في التفجيرات.
سونيا العلي
كاتبة صحافية سورية