العقل العربي والاستثمار السياسي


الإنسان العربي كريم بطبعه في العطاء، وهذه ميزة للعرب قديمة قِدم التاريخ، لكن هذا العطاء لا ينبغي أن يكون تقليدياً لمجرد العطاء وربما الطمع بالثواب الأخروي وإرضاء للوجدان الذاتي أنه ساهم في موقف إنساني بعمل نبيل، لكن العقل العربي مايزال يفكر بالعطاء بشكله التقليدي المعتاد والمألوف في مساعدة المحتاج في إطعامه وعلاجه أو بناء مسجد وربما بناء مدرسة وهذا بكل تأكيد عمل نبيل، لكن الواقع الذي نعيشه من النكبات التي حلّت في المنطقة أمام مشاريع توسعية إيرانية واحتلالات واعتداءات كثيرة وتفرّد الاستبداد بمؤسسات الدولة وتغوله عليها ثم استعمالها ضد الشعب من أجل بقاء سلطته واستبداده، وأوضحها في سورية فقد خلّفت نكبات كبيرة ومآسي إنسانية كبيرة، والمآسي الإنسانية تُحل بقرارات سياسية وبعمل سياسي وتعزيز للكوادر السياسية وبناء الوعي السياسي كي لا تذبح الشعوب على مقصلة الجهل والمكر، قد تكون المقاومة أحد الأذرع السياسية، لاسيما تلك المآسي الإنسانية التي سببها طغاة مستبدون في الدفة السياسية، فالمواجهة الرئيسية  تحتاج نضال سياسي لسياسيين وطنيين وتوعية للجماهير وإدانة الإجرام، وهذه الأدوات تحتاج إنفاق وتغطية لكل ما تحتاجه وتهيئة كوادر، ولطالما أصبح هذا النوع من الإنفاق تقوم بتغطيه دول فمما يضعف استقلالية القرار واستقلال التفكير، ولطالما بقي الكثير من السياسيين والمناضلين الوطنيين يعاني الفقر وفوقه السجن أحياناً، ويتحول للاجئ سياسي وهي أشنع كلمة في الواقع الذي نعيش، فهل لم يجد ذاك السياسي ما يضمن حياته وحتى ملاذه الآمن.!

 وعندما يموت تتكاثر النعوات حوله كخسارة عظيمة وهو كان ممن لا يلتفت إليه أحد ويترك هو ومعاناته في تكاليف الحياة ثم عندما يموت كل واحد يخرج صورته معه بأنه قريب منه وذو علاقة وطيدة..!

 وكم رأينا الكثير من هذه النماذج، وهذا يشير بوضوح  إلى مدى طريقة تفكيرنا التي توجهنا نحو ملء البطون وإغاثة الحالة الإسعافية التي تسبب بها الاحتلال أو الاستبداد ونترك تغذية العقول وتوعيتها في المواجهة الحقيقية للخلاص، لذلك باتت الكثير من قوى التحرر من أجل الديمقراطية، وكثير من السياسيين الشرفاء يعاني الضغوط ثم تجد جموع غفيرة تعزي بفقدانه، هذه خسارات مؤلمة وحتى حالة التعزيات تبقى مدة التفاعل والبكائيات فيها أيام وقد تمتد شهور ونعود للذاكرة المفقودة في ذرية هؤلاء وغيرهم.!

 بسهولة تجد من يغطي أعمال إنسانية إسعافية، لكن بالمقابل ليس بسهولة أن تجد من يغطي حالة الوعي والأداء وتعزيز دور سياسي وطني مستقل حر، وغذاء للعقول وتوعيتها لتنتج عملاً صحيحاً مفيداً عوضاً عن حالة الصراع البيني والتآكل الداخلي، وتسوقنا الإشاعات والوشايات ثم تتحول القوى لحالة من الإرتهان ومن هنا يبدأ التأثير على القرار ثم يصبح المحور هو البحث عن الدعم لتغطية النفقات التشغيلية ثم الوقوع بظل شِباك من القيود تلتف حول حرية القرار والتفكير وحتى النتائج، بكل زمان هناك الغث والسمين والجيد والسيء ولكن الخذلان الكبير والنتائج أصعب وأصبحنا بدائرة ندور في فلكها لاستمرار هذا النوع من التفكير الذي لن يعطي نتائج مختلفة.

 

 

د- زكريا ملاحفجي

كاتب سوري

Whatsapp