بعد مسرحية الانتخابات الهزلية والتي قام رئيس النظام بالإدلاء بصوته فيها بمدينة دوما مع حشد من ضباط وعناصر الأمن والحزبيين وبعض كركوزات ما يسمى مجلس الشعب، أعطى وعدًا أنه سيحسن واقع الحياة وسيفرج عن بعض المعتقلين من أبناء المدينة.
يوم السبت الذي تلا الانتخابات أذاعت مكبرات الصوت في المساجد نداء لأهالي المعتقلين للاجتماع في ساحة البلدية لانتظار أبنائهم الذين سيفرج عنهم، ولأن صاحب الحاجة مضطر، اجتمع الأهالي حاملين صور الرئيس وجاء وفد أمني على رأسه اللواء حسام لوقا مع وفد حزبي والكركوزات إياهم ترافقهم حافلة فيها المعتقلين المفرج عنهم.
كانت المفاجأة الأولى أن عدد المفرج عنهم هزيل حيث كانوا 14 شخصًا والمفاجأة الثانية أنهم اعتقلوا قبل فترة قصيرة وليسوا من معتقلي الحراك السلمي الذي بدأ في المدينة منذ أوائل الثورة السلمية وأن من بينهم جنائيين أدينوا بسرقات، وبعد أن كان الوعد بالإفراج عن 1000 معتقل ممن غيبوا في المعتقلات لأكثر من عشر سنوات من عدد المعتقلين في دوما الذي يبلغ 2800 معتقل حسب أغلب مراكز التوثيق والذين لا أحد يعرف عن أحوالهم أي شيءطبعًا، ولإكمال المسرحية شكر المفرج عنهم النظام على هذه المكرمة ونزلوا من الحافلة وهم يحملون صور صاحب المكرمة ويهتفون بحياته.
المعروف أن مدينة دوما كانت عروس الغوطة وجوهرتها وكانت مرافقها شبه مكتملة ففيها مشفى تعليمي تابع لوزارة الصحة يقدم الرعاية الصحية لأكثر من مليون مواطن من أهالي دوما والريف التابع لها، وكان المركز الثقافي مديرية للثقافة في الريف وكثير من المرافق الأخرى التعليمية والصحية التي بنيت من أموال الأهالي، ولكنها كانت دائمًا محاصرة من الأمن والحزب ومحاطة بالمخبرين الذين يحصون كل همسة وحركة لكل مواطن، ومع ذلك كانت دوما من أول المدن التي انخرطت بالثورة، فلماذا اختارها رأس النظام ليدلي بصوته فيها، وطبعًا روج النظام أنه بدافع الوفاء لهذا البلد المؤيد، لكن الحقيقة غير ذلك، إنها الرغبة في الانتقام والتحدي، وتوجيه رسالة للمجتمع المحلي والخارجي أن على الجميع أن يعترف بانتصارنا على هذا الشعب وأنني يمكن أن أعامل الجميع كأسرى حرب ومهزومين، وقانوني هو قانون الغاب الذي لا ينصاع لأي قانون دولي أو أخلاقي ولقد قتلتكم بالكيماوي يا أهالي دوما وانتصرت عليكم وهجرتكم وأوقفت حياتكم وهدمت بنية بلدكم التحتية من مراكز للهاتف ومشافي ومدارس فلا مياه ولا كهرباء ولا اتصالات أرضية وممنوع عليكم أن تمارسوا أعمالكم كما كنتم، فلا زراعة ولا ثروة حيوانية ولا مواصلات تربطكم بالعاصمة أو الجوار ومع ذلك عليكم الهتاف بحياتي كمنقذ لكم.
بعد هذه المسرحية توزعت في دوما عدد من السيارات الأمنية التي تسمى الراشدة لتتجسس على اتصالات المواطنين وقامت السلطات الأمنية باعتقال عدد من الأشخاص ممن اتصلوا بأهلهم المهجرين إلى الشمال السوري وكذلك تم اعتقال مواطنين في سقبا و حمورية المجاورتين لدوما بعد تقارير من مخبرين أنهم لم يكونوا ممن هتفوا وفرحوا بنتائج الانتخابات، مما يثبت أن كل ما جرى كان مسرحية هزلية، وأن الأوضاع بعد تحسن ملموس أثناء همروجة الانتخابات، عادت إلى سابق عهدها وبعد أن وصل استجرار الكهرباء إلى خمسين بالمئة، عادت لسابق عهدها والمواد الغذائية والخضار والفواكه عادت لترتفع أكثر من ضعفين، والمواطن الذي صدق أن الأوضاع تتحسن سرعان ما أصيب بالإحباط بعد أن اكتشف أن الدولة تستطيع تحسين الأوضاع ولكن ثبت أنها لا تريد لأن زبانيتها هم المستفيدين من هذا الواقع المزري.
لا يسيطر النظام على أكثر من 60 بالمئة من مساحة سورية وأكثر المناطق المنتجة هي خارج سيطرته ولولا حماية روسيا وايران لكان سقط منذ أوائل أيام الثورة، إنه نظام فاقد الأهلية والامكانية للاستمرار، فالنظام الذي حكم البلد منذ عام 1963 إلى الآن وكان الدولار يساوي 4 ليرة سورية، ليصل بعد نهبه للبلد إلى 3000ليرة لا يمكن إلا أن يكون عصابة، ولابد من القضاء عليه ليحل محله نظام وطني ديمقراطي يعيد بناء سورية كوطن لكل السوريين بمختلف تكويناتهم .
محمد عمر كرداس
كاتب سوري