أنا واحد منهم
هؤلاء الذي دخلوا حلب
من بابها العاشر
من حيث لم يدخل الغزاة
ولا المبشّرون بحلم العروبة
ولا تجّار الحرير
ولا الرحّالة الباحثون عن لقىً ابتلعها الملح في ضفاف نهر الذهب
دخلت مثلما يدخل الطّلاب الفقراء
ببنطالٍ كان لأخي الأكبر
وحذاءٍ بنصف نعل جديد
وبعينين تلتهمان الأفق الممتدّ
من كراج الانطلاق وحتى شجر الجامعة
لم تكفِ روحي
أسبوعيّةٌ من الليرات
كي أحضن كلّ الكتب من فوق الأرصفة
أو ألتهم نصف فرّوجة كلّ خميس
من مطاعم باب الفرج
أو أحضر جديد الأفلام في "سينما الكندي "
فاكتفيت بتقسيط الأمل:
كتابٌ كلّ شهر
وعرضٌ متواصل في سينما " العباسية "كلّ إثنين
وبيرايةٌ في المقصف العمالي كلّ ليل
والباقي: فلافل، حمص، فول
وحين سأجوع أكثر
لا بأس من خبز بماء وزعتر
لم تكفِ روحي
دبكاتُ الأعراس ولا "بشمارياتُ "الصّيف
ففتحت لها كلّ أضلاعي
لتعلو في مسرّات حلب
السهراتُ التي غنّينا فيها لفيروز
والشيخ إمام، والقدود، على أصولها،
في بحّات محمد خيري
والموليّا السراقبية
والجديد من شجن العراق
لم تكف روحي
قصّة حب لفتاة تزوجت قبل ان تقول لي:
وداعًا
أو تردّ لي قصصَ محمد عبد الحليم عبد الله
والطبعة َالأولى من "المصابيح الزرق "
فبعد بكاءين على الشرفة ذات ثلج نادر
ارتجف القلب
كأنما ليحلّق مثل طيرٍ من قفص
لم تكف روحي
أن أنقط دمعا على ورق أصفر
كلما وصلت رواية رومانسية إلى عقدتها
ومات واحدٌ من العاشقين
في الأرياف الساحرة
فنزلت درج "مكتبة الفجر"
وما زلت لمّا أصعد من ذلك القبو بعد
رغم أني بعت كلّ ما اشتريته من مجلدات
مقابل مدفأة كهرباء بوشيعة تالفة
لم تكف روحي
أن أكون ثاني أخوتي
في تحصيل "البكلوريا "
وأرضى بوظيفة رئيس لمستودع الأعلاف
فقلت لكلية الآداب "وكانت سفينة" حين ذاك
أنا أحب السباحة في الحبر
هاك كلّي
واجعليني أتخرّج فيك
ملّاحا في خضمّ الكلمات
أنا واحدٌ من هؤلاء
دخلت حلب من الباب العاشر
ولم أخرج.
سلام حلوم
شاعر سوري