أدوات الصراع في المنطقة 


ليس من قبيل الصدفة أن نجد كلّ الأطراف المتدخّلة في سورية وفي عموم بلدان المشرق العربي قد تم تأسيسها أو العمل على ولادتها ورعايتها في فترة زمنية محددة ومحدودة وكأنّما خرجت من مطبخ واحد. فيما مايزال ذلك التاريخ الذي أشير إليه لا أجد له تفسيراً سوى أن الطبّاخ هو الذي قرره لحسابات لا أحد يعرفها سواه قد تتعلّق بالإقتصاد وأزمة الرأسمالية أكثر منها أزمة سياسية.

هل كان الغرب الامبريالي على يقين بأن المنطقة مقدمة على ثورات ولذلك قرر تصنيع أدوات الثورة المضادة  مبكراً كخطوة استباقية معتمداً على معرفته الكاملة بالنسيج الاجتماعي لشعوب المنطقة ومكامن الضعف في ذلك النسيج وطرق استخدامها في خطته الخبيثة، بالتعاون والتنسيق المطلق مع الأنظمة الوظيفية التي ساعدها في تسلّم مقاليد الحكم  بانقلابات عسكرية معززة بقانون طوارئ مديد.

بالرجوع إلى تاريخ نشأة تلك الأدوات نجدها تكاد تكون قد ولدت في ذات الوقت ومن ذات الرحم، فحزب العمال الكردستاني نشأ 1978 ـ والثورة الإيرانية التي تحولت إلى الخمينية 1978 وانتهت شباط/فبراير1979، وفي لبنان وخلال الحرب الأهلية حدث اختفاء موسى الصدر 1978 وتأسيس حركة أمل على إثر الإجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في آذار/مارس 1978 كمقدمة لولادة حزب الله بعيد الإجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال بيروت 1982. خلال تلك الفترة  كان لابد من تحييد مصر وخروجها من معادلة الصراع العربي / الإسرائيلي  فقام السادات بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد 1978، وبالطبع هذا يلغي اتفاقية الدفاع المشترك بين سورية ومصر ضد إسرائيل الموقعة سنة 1966. ومن ثم مقاطعة مصر في الوقت الذي كان يعمل حافظ الأسد على  إجهاض مشروع الوحدة بين العراق وسورية الذي تم الإتفاق عليها بين البلدين في تشرين أول/أكتوبر 1978، تمهيداً للوقوف مع إيران ضد العراق في حرب الثماني سنوات. وقد سبق ذلك إجراء غاية في الخطورة لم يلتفت يومها إليه أحد وهو أن كلاً من محمد مهدي شمس الدين وموسى الصدر أعلنا عن تأسيس " المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في لبنان وكان هذا انشقاقاً عن المجلس الإسلامي الأعلى. 

لقد كانت بداية التحضير للصراع السني الشيعي الذي نحصد تبعاته اليوم، من خلال الميليشيات العديدة التي انقضت على المدن السنية في كل من العراق وسورية تحت رايات "فاطميون " و" زينبيون" و" حزب الله" بنسختيه اللبنانية والعراقية والعديد من الميليشيات الطائفية الأخرى كالحشد الشعبي وغيره، وكان لابد من وجود تطرف سني يبرر التطرف الشيعي الذي هو حاضر من خلال خطابهم التكفيري منذ القرن السابع الهجري وحتى اليوم. فصنّعوا لنا الجهاديين العرب الأفغان ومن ثم القاعدة وتفريخاتها التي جاءت إلى سورية مثل " جبهة النصرة" و" داعش" لتختطف الثورة وتجلب كل قوى الشرّ في العالم لسحق ثورة الشعب السوري العظيمة.

كان أوباما الرئيس المناسب للعب الدور القذر في السكوت عن تدخل إيران واستباحتها للعراق وسورية ولبنان واليمن، بحجة الاتفاق النووي ولهذا تمّ التمديد له لولاية ثانية، بينما الرئيس ترامب الذي مزّق الاتفاق النووي ووقّع على قانون قيصر لمعاقبة النظام ومحاصرة إيران اقتصادياً ووضع الحوثيين على قائمة الإرهاب ومن قبله حزب الله بشقيه السياسي والعسكري، انقضّت عليه الدولة العميقة في أميركا، وأزاحته من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في انتخابات أقل مايقال فيها أنها مشكوك بنزاهتها، فقط لأنّه أراد الانحراف قليلاً عن ما هو مرسوم، وهو تفتيت المنطقة وإفراغها من السنة، وجيء برئيس يحمل ذات التوجه لأوباما وسرعان ما أعاد الاتفاق النووي إلى الواجهة وأخرج الحوثي من قائمة الإرهاب وكأنما يبحث عن استمرار مشاهد القتل والتهجير التي تمارسها إيران وأذرعها دونما وازع أخلاقي يدفعه للعمل على إنهاء الصراع ومحاسبة من ثبت عليهم استخدام كل الوسائل الوحشية لنشر الموت والدمار بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً وعلى رأسها السلاح الكيماوي الذي استخدمه نظام الأسد مراراً ضدّ الشعب السوري وأكدته منظمة حظر الأسلحة البيولوجية التابعة للأمم المتحدة في أكثر من تقرير.

لقد كان عام 1978 عام إعلان الحرب على العالم الإسلامي من قبل الغرب، قبل الخلاص من الشيوعية التي كان يمثلها الاتحاد السوفياتي وليس بعد تفككه كما زعم فوكو ياما في كتابه "صراع الحضارات".

 

 

ياسر الحسيني

كاتب سوري

 

 
Whatsapp